النهضة والتنمية:عملاق في زنزانة!
+2
KING CR7
oussama
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
النهضة والتنمية:عملاق في زنزانة!
د. أحمد خيري العمري
يتعرض كل من مفهوم" النهضة" ومفهوم "التنمية" إلى خلط وتشويش... ورغم أنه خلط مدفوع بحسن النية وبالرغبة في الخروج من واقع سيئ تعيشه الأمة، إلا أن نتائجه بعيدة المدى لن تكون بالضرورة أفضل من هذا الواقع.. فكثيرا ما يستخدم المصطلحين في ترادف كما لو أنهما يعبران عن معنى واحد.
السبب في الخلط يعود جزئيا إلى غموض وقع ظلما على مفهوم النهضة عندما قُدِّم بلغة صعبة بعيدة عن أفهام الناس، واحتُكر بالتالي من نُخَب البرج العاجي وتشاوفها الثقافي الذي لن يؤدى غالبا إلى تنمية أو نهضة أو أي شيء على الإطلاق.
كما أنه يعود أيضا إلى أن الحديث عن "التنمية" سيكون أسهل وأقرب إلى الفهم لأن أمثلة التنمية ونماذجها ومقاييسها واضحة ومتداولة، بل إنها قد تكون جزءا من بدهيات الحياة المعاصرة ومن حديث كل يوم (معدلات البطالة، معدل الدخل ..الخ).
بينما النهضة هي مفهوم ثقافي يمس البنية التحتية لأفكار الناس وعقائدهم وسلوكهم كما وضحنا في مقال سابق، فإن "التنمية " مفهوم اقتصادي بالدرجة الأولى، يرتبط بمعايير تحسين "مستوى الحياة" من الناحية الاقتصادية التي تؤدي لاحقا إلى تحسينها من نواحٍ أخرى: اجتماعية وصحية وتعليمية..، المصطلح ولد أولا في مرحلة نشوء الرأسمالية وانتهاء عصر الإقطاع لكنه استخدم بكثافة وبهذا المعنى تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء دول جديدة مستقلة من الأنقاض والخرائب التي خلفتها هذه الحرب، ولأن العالم المعاصر قُسِّم بحسب المعايير الجديدة إلى "دول غنية " و"دول فقيرة" ( أو بعبارة أخرى ملطفة: دول ذات دخل مرتفع وأخرى ذات دخل منخفض) فإن عملية الانتقال من خانة الدول الفقيرة إلى الدول الغنية صارت تسمى بالتنمية... وترتبط دوما بالحديث عن معدل النمو السنوي والدخل القومي والدخل الفردي والبطالة وعجز الموازنة..الخ.
بشكل عام، لا مشكلة مباشرة في ما يطرحه مفهوم التنمية، فلا أحد يهوى الفقر للفقر، ولا البطالة، وزيادة معدل الدخل ليس جريمة على الإطلاق، وكذلك تحسين "مستوى الحياة".. (رغم أن ذلك قد يحتاج إلى تعريف وتحديد...) لكن ينبغي التمييز هذه "تنمية"، وليست نهضة بأي حال من الأحوال، والخلط بينهما يحمّل التنمية ما لا تحتمل، بل يساهم بطريقة ما في تأخير النهضة الحقيقية عبر التركيز على التنمية تحت مسمى النهضة.
أكثر من هذا، الخلط بينهما، يجعل المهتمين يركزون على أمثلة تنموية ناجحة، ويحاولون الاقتداء بها على أنها "نهضة "، بينما هي في الحقيقة تمثل تجربة ناحجة بمعايير التنمية فقط، مع القليل من المساس بالبنية التحتية الثقافية التي تنتج النهضة.
هل هناك تعارض بين الأمرين، أي بين النهضة والتنمية؟
من الناحية المبدئية، لا تعارض حقا بينهما، إنما التعارض ينتج من الطريقة التي ننظر فيها إلى كل من المفهومين، فالتنمية في حقيقتها هي نتيجة وليست هدفا بحد ذاته، وهي نتيجة من ضمن نتائج أخرى مختلفة، أما النهضة فهي الهدف، وهي التي تؤدي إلى جملة تغييرات في المجتمع، وتطلق سلسلة من التفاعلات الداخلية العميقة في المجتمع – في الأمة – والتي تؤدي بدورها إلى إحداث نتائج تؤثر على معايير قياس التنمية.
هل يمكن القفز على الأمر، والوصول إلى النتيجة، دون المرور بدرب الجلجلة المسمى بالنهضة والحفر في حقل ألغام البنية التحتية للمجتمع والأمة؟
سيكون ذلك أسهل حتما.. ومن الممكن فعلا حيازة بعض ثمار التنمية دون المرور بالنهضة أو تجشم عنائها ( بوضع خطط صارمة والحزم في تنفيذها، رغم أن الصرامة والحزم تتطلب أيضا مواجهة بعض ما في البنية الثقافية مثل الوساطة والمحسوبيات والعشائرية أو ما يماثلها حسب كل مجتمع : المناطقية، أي التحيز إلى منطقة معينة حتى دون وجود قرابة مباشرة ).
رغم ذلك، فهذه النتائج تبقى جزئية وعابرة إلا إذا صحبتها ثورة ثقافية شاملة تستأصل عراقيل النهوض ومثبطاته، وتنجز نهضة خاصة بها من عمق موروثها ومن منطلقاته.
الأمر الذي لا يمكن تجاوز ذكره هنا أن التنمية لكي تكون جزءا من نهضة أوسع عليها أن تكون بمعايير ومقاييس مختلفة عن التنمية بفهومها السائد حاليا مفهوم الـhuman development، أي الذي ينتمي إلى المنظومة الغربية والذي أنتجته وسوقت له مؤسساتها، لأن مجرد الارتباط بهذه المنظومة سيحول مسار النهضة ويجعلها تابعة لمنظومة قيمية مختلفة.
على سبيل المثال، التنمية البشرية بمفهومها السائد حاليا– تركز على مجموعة من المعايير التي يتم من خلال جمعها التوصل إلى مقياس رقمي index يبين تسلسل دولة بعينها ضمن سلم التنمية.
من هذه المعايير، معيار معدل الدخل الفردي في هذه الدولة، والذي يقاس بمعدل "القدرة الشرائية للفرد purchasing power parity ".. أي أن هذا المعيار يربط مفهوم التنمية بمعيار أساسي للرأسمالية يتحول الإنسان من خلاله إلى وسيلة لاستمرار عجلة المصانع وبالتالي استمرار درّ الأرباح في جيوب أصحاب الشركات.
رد: النهضة والتنمية:عملاق في زنزانة!
مشششكور يعطيك العافية
Sifou- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 30
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 4649
بلدي :
الْنِّقَاط : 20373
السٌّمعَة : 0
رد: النهضة والتنمية:عملاق في زنزانة!
شكرا جزيلا لك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
Design-sasuke- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 31
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 8432
بلدي :
الْنِّقَاط : 29237
السٌّمعَة : 0
مواضيع مماثلة
» شقراء.. في زنزانة !
» مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (1)
» مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين(2)
» مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3)
» الإسلام الحضاري... مشروع النهضة الماليزي
» مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (1)
» مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين(2)
» مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3)
» الإسلام الحضاري... مشروع النهضة الماليزي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى