شركة اوريجينال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3)

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3) Empty مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3)

مُساهمة من طرف aziza10 الإثنين فبراير 22, 2010 5:50 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

موسى والخضر: فقه "الانطلاق" إلى الواقع:

السرد القرآني لقصة موسى والخضر يمتلك عدة مستويات للقراءة، كل مستوى منها لا يلغي الآخر، بل يتكامل معه، ويتدرج معه إلى المستوى العام الشامل، وكل هذه المستويات بريئة تماماً مما رسب في الخيال الشعبي من القصة، التي حولت الخضر إلى شخصية أسطورية لم تذق طعم الموت، ونسجت في ذلك القصص والحكايات، وجعلت له مقاماً يستحق النذور في كل بلد، وهذا كله هو النقيض تماماً ليس من السرد القرآني لهذه القصة فحسب، بل من كل ما أراده لنا القرآن ومن كل مقاصده وأهدافه..

محور قصة موسى والخضر، في جوهرها، هو النزول بالفكر والعقيدة إلى الواقع، إلى التفاعل الاجتماعي الحقيقي الذي يدخل هذا الفكر كطرف في معادلة البناء الاجتماعي، إنه النزول بالنظرية من إطار التنظير إلى إطار التطبيق، حيث المحك الحقيقي لمصداقيتها، فقوة أية نظرية، في النهاية، ليست في تماسكها ضمن إطارها الفكري وجدالها مع النظريات الأخرى، ولكن قوتها هي في صمودها عندما تتفاعل مع الواقع وتمكنها من الإثمار فيه والوصول إلى أهدافها عبره.

امتحان أية نظرية هو في تمكنها من إثبات أن ما تنادي به ليس مجرد شعارات برّاقة، بل هو حقيقة يمكن الوصول إليها.. والانتقال من الإطار النظري إلى الإطار التطبيقي، والنجاح هناك أصعب بكثير من البقاء في أسر النظرية.. قصة موسى والخضر تفتح أعيننا على ذلك، فإذا بها تقدم لنا رؤية جديدة للعلاقة بين الشريعة والحياة، وتقدم لنا زاوية أكثر انفراجاً ننظر فيها ومن خلالها لكل من أحكام الشريعة وأحكام الحياة، فإذا بالاثنين يلتحمان معاً، بدلاً من انفصالهما المزعوم، وبدلاً من الهوة التي يشتكي منها الجميع، نجد ذلك التماهي بين الاثنين الذي يرفع مستوى الحياة، ويخرج الشريعة من رفوف الكتب وأطر التنظير..

على درب الالتحام بين الشريعة والحياة، تأخذنا قصة موسى والخضر، من الرؤية الجزئية للنصوص، إلى الرؤية الشمولية لها، ومن الفهم “التبعيضي” إلى الفهم “الشمولي”، ومن الألواح الحجرية الجامدة التي نحتت عليها هذه النصوص، إلى واقع تشكله النصوص..

أول ما يلفت النظر في السياق القرآني هو أن موسى، كليم الله، صاحب المنزلة الرسولية المهمة، والأعلى قطعاً في زمانه، لم يتردد –على الرغم من مكانته– في السفر لغرض التعلم وطلب العلم، ولكن فلننتبه هنا إلى أنه هذا ليس مجرد تواضع طالب العلم، بل معرفته المسبقة أن النزول من المكتبة أو البرج العالي يتطلب علماً إضافياً، علم ما بين السطور، علم روحية النص ومقصده، وذلك لا يحدث إلا بالجمع بين النص والواقع، عبر رؤية شمولية لكل من النص والواقع، وهنا تأتي تلك الإشارة المذهلة إلى عزم موسى على الوصول إلى مجمع البحرين: {وَإِذْ قالَ مُوسَى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} [الكهف: 18/60] فمجمع البحرين هنا كناية عن ذلك التلاحم والالتقاء الفعال بين أمرين مهمين، بين النص الذي سيظل مهماً حتى في حرفيته، وبين فقهه وفهمه بشكل يجعل حروفه تثمر وتنتج واقعاً جديداً..

شيء آخر يلفت النظر هنا، وهو أن موسى يحدد الرشد، كمطلب أساسي، وليس العلم فحسب: {قالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكُ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف: 18/66] فليس العلم هو ما ينقص موسى، ولكنه يريد الرشد، أي كيف يكون هذا العلم الذي عنده ضمن منظومة موصلة إلى الحق.. أي إنه ليس العلم المجرد.. ليس العلم فحسب، بل العلم الموصل إلى بناء المجتمع من جديد.

يلفت النظر أيضاً هنا في ردّ الخضر أمرين اثنين:
الأول - أن الخضر طالبه بالصبر ابتداءً {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف: 18/67] وهذا يشير إلى صعوبة المهمة ووعورة الطريق الفاصل بين النقطتين.

الثاني - هو أن الصعوبة يحددها الخضر في "عدم الإحاطة" {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف: 18/68] أي إن المشكلة هي في فهم تجزيئي، فهم تبعيضي، لا يرى من الأمور غير بعض الجزئيات التي تجعل من الإثمار ومن إنتاج الواقع الجديد أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، أما "الإحاطة" التي أشار إليها الخضر، فهي ذلك الفهم الشمولي الذي فيه الكل غير منفصل عن الجزء، والتفاصيل منتظمة داخل منظومتها أوسع، بشكل يجعلها فاعلة ومتفاعلة.. كل ما علمه الخضر لموسى كان يرتكز على إزالة الفهم الجزئي –للنص أو للواقع– وعلى إحلال رؤية شمولية تجمع النص بالواقع..

الرحلة فيها ثلاثة مواقف، يجعلنا السياق القرآني نمر فيها أولاً ونحن نرى بعدسة سيدنا موسى، فنكاد نهب معه معترضين على ما نرى، ثم يجعلنا السياق القرآني نمر على المواقف نفسها ولكن هذه المرة ونحن نرى بعين الخضر، فنرى كل شيء مختلفاً، ونوافق على ما فعل الخضر كما لو أننا لم نعترض قبل قليل.
والفرق بين موقفنا في الحالتين هو الفرق بين الحكم المبني على الرؤية التجزيئية، والآخر المبني على الرؤية الشمولية.. في الموقف الأول، وعبر الرؤية التجزيئية نرى (السفينة)، ونرى الخرق الذي أحدثه الخضر، فلا نرى غير النتيجة المباشرة لهذا، ولذلك نقف مع اعتراض سيدنا موسى، لكن عبر الرؤية الشمولية، تتسع زاوية الرؤية فنرى السفينة ضمن محيطها الاجتماعي الأوسع، فلا تبقى السفينة مجرد ألواح وخشب، مجرد وجود فيزيائي، بل تصير مرتبطة بالنسيج الاجتماعي الذي يرتبط بهذه السفينة، فإذا عليها مساكين يعملون في البحر، ووراءهم ملك يغتصب ما يحلو في عينه من الممتلكات ومنها السفن، وهكذا سيبدو أمر المحافظة على السفينة، ولو بعيب، ولو بتعرضها لخطر يستطيع عمالها إصلاحها لاحقاً، أهم من المحافظة على سلامة ألواحها وخشبها، مقابل اغتصاب الملك لها..

في الموقف الثاني نرى أولاً "الغلام"، مجرد غلام لم يرتكب ما يستحق أن يقتل من أجله، لذلك سنرى موسى محقاً في اعتراضه، لكننا لاحقاً نرى أن الغلام ليس معزولاً عن وسطه الاجتماعي، وأن له تأثيراً سلبياً على أقرب المقربين له: أبويه. إنه ذلك "الابن" الذي تتبين ملامح عقوقه وجحوده مبكراً، وتكون إزالته المبكرة، على ما في ذلك من ألم، أقل إيلاماً من الإبقاء عليه وعلى مشاكله وعلى ما سينتج عنه من سلبيات يكبر حجمها مع الوقت؛ لذلك فإن (قتله) هنا وفي هذه المرحلة، وبينما أبواه لا يزالان قادرين على الإنجاب، سيسبب لهما الألم حتماً، لكنه سيدفعهما إلى تكرار الإنجاب..

في الموقف الثالث نرى موسى والخضر وهما بحاجة إلى طعام وضيافة، وهنا سيكون من حق موسى المطالبة بأجر يقيم أودهما لقاء ما أقامه الخضر من جدار كان آيلاً للسقوط، لكن الرؤية الأوسع، ستجعلنا نرى مجتمعاً آيلاً للسقوط، وليس فقط جداراً متهاوياً، مجتمع بلغَ أفراده حداً من الفردية والانغلاق لدرجة أن المجتمع مقبل على التشظي، الرؤية الأولى تجعلنا نرى جداراً يشرف على السقوط، ومعدتين خاويتين، أما الرؤية الثانية فهي تجعلنا نرى بناءً اجتماعياً يشرف على السقوط وفقدان آتٍ لكل قيم العدالة والتكافل الاجتماعيين، "إقامة الجدار" هنا كانت عملاً ترميمياً يمد في عمر البناء، دون أن يعني ذلك أن هذا هو الحل، فهذا المجتمع كان يحتاج إلى جيل جديد قادم (ممثلاً في الغلامين اليتيمين، النبتة الصالحة التي ذاقت معنى الظلم الاجتماعي)، وهو جيل سيستطيع أن يستثمر الكنز الدفين عبر هدم واعٍ لأسس هذا البناء الاجتماعي، هدم بتخطيط مسبق، وليس مجرد انهيار عشوائي.. أي إن إقامة الجدار هنا كانت إطالة لعمره إلى الوقت الذي يجب أن يهدم فيه تماماً.

لكن لماذا لم يأخذ الخضر الأجر؟ ليس فقط لأن الاستثمار الأهم بعيد المدى كان في الكنز، ولكن لأن المطالبة بالأجر، بعد إقامة الجدار، قد تجعل صنفاً كهذا من الناس، يندفع إلى هدم الجدار من أجل التهرب من دفع الأجر، وكان هذا سيكشف الكنز، لذا كان يجب تناسي الأمر، من أجل ذلك الاستثمار ربحاً، الذي سيأتي على يد جيل آخر، قادم لا محالة..

الخرق الذي أحدثه الخضر لم يكن في السفينة فقط، بل كان خرقاً في ذلك الفكر التجزيئي الذي يجعلنا نعجز عن رؤية ما هو أبعد من أطراف أنوفنا، إنه خرق يجعلنا نرى العالم من زاوية أوسع، زاوية أكثر شمولية وانفراجاً، فإذا بالنصوص تتمكن من المساهمة في إعادة بناء العالم، بدلاً من أن نجدها متخبطة وقد سلبت منها فاعليتها..

ما يلفت النظر هنا، أن كل موقف من هذه المواقف الثلاثة، ابتدأ بـ(وانطلقا)، كما لو أن نقطة الانطلاق الحقيقي إلى الواقع، يجب أن تمتلك عدة الفهم الشمولي، لكي تتمكن من إعادة تشكيل الواقع.. لا الذوبان فيه مع الرؤية التجزيئية.. كما لو أن الانطلاق إلى النهضة الحقيقية لا يمكن إلا من هذه المنصة: منصة الفهم الشمولي..

وسيكون من المؤسف جداً هنا، أن نرى كيف تحول هذا السرد الباعث للحياة إلى مادة أسطورية مليئة بالخرافات عن رجل لم يعرف الموت.. وله في كل بلد مقام تقدم له نذور هي بالتأكيد المثال العملي لكل ما هو ليس من الإسلام..

مقام الخضر الحقيقي ليسَ هناك، بل مقامه هنا، في هذا السرد القرآني لعملية النزول إلى الواقع.. وعندما نبث الحياة في الفهم الشمولي المنبعث من هذا السرد، فإن الواقع سيخضر ويثمر.. وستنهار تلك الهياكل الخرافية، التي كانت آيلة للسقوط طول هذه الفترة..
aziza10
aziza10
ღ عضو محترف ღ
ღ عضو محترف ღ

الْعُمْر الْعُمْر : 33
 الجنس : انثى
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 427
بلدي بلدي : الجزائر
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 16545
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3) 111010

http://www.veecos.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3) Empty رد: مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3)

مُساهمة من طرف Cre@tor الخميس سبتمبر 09, 2010 3:03 am

شكرا على الموضوع
تسلم أيدكـ


Cre@tor
Cre@tor
عضو مؤسس
v I p

الْعُمْر الْعُمْر : 29
 الجنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 3882
بلدي بلدي : الجزائر
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 21459
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3) 111010

http://www.orignale.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3) Empty رد: مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3)

مُساهمة من طرف rih الثلاثاء مارس 29, 2011 3:53 pm

شكرا لك على الموضوع المميز..
rih
rih
ღ عضو ღ v I p
ღ عضو ღ v I p

الْعُمْر الْعُمْر : 43
 الجنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 2084
بلدي بلدي : الجزائر
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 18007
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. مشروع النهضة من البذرة إلى التمكين (3) 111010

http://arbfor.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى