التجديد: الخروج الحتمي من "طول الأمد"...
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
التجديد: الخروج الحتمي من "طول الأمد"...
د. أحمد خيري العمري
مفاهيم دينية كثيرة تعرضت لسوء الاستعمال والتشويه ومن ضمنها مفهوم التجديد الديني الذي تعرّض ويتعرض لعدة أنواع من سوء الاستعمال المتعمد وغير المتعمد. يستند مفهوم التجديد من الناحية التأصيلية الشرعية إلى حديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا » (رواه أبو داود والحاكم وابن خزيمة والبيهقي والطبراني)... لكن التجديد وإن رُبِط بهذا الحديث لوضوحه واشتهاره فإنه يظل أكبر من الاستناد إلى حديث واحد فقط، فالتجديد يمكن أن يربط أصلا بالنص القرآني الذي فتح باب التجديد عندما حذرنا من المكوث في طول الأمد في التعامل مع الكتاب (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد 16، فالسياق هنا يتحدث عن "تعامل معين مع الكتاب"، أي بعبارة أخرى عن "فهمٍ معين للنص الديني"، تعامل طال عليه "الأمد".. والأمد في لسان العرب يعني المدة الزمنية الطويلة، أو منتهى العمر، والمعنى هنا أنهم مكثوا في أمد معين دون حراك، أي أن تعاملهم مع الكتاب ( فهمهم للنص) لبث في فترة زمنية وبقراءة معينة دون تغيير، وأدى ذلك إلى أن "قست قلوبهم" وقسوة القلب هنا هي مناقضة لخشوع القلب الذي طالبت نفس الآية المؤمنين به في مطلعها "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"...
وقد ذكر الخشوع في القرآن في تكامل مع الإنتاج والإثمار فخشوع الأرض في القرآن الكريم كان تمهيدا لإنتاجها وإثمارها كما في (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) فصلت 39.. كما أن المعنى الأساسي للفعل خشع في لسان العرب يعني النزول والهبوط ومنه، كما في (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ)، وهذا يلفت نظرنا إلى أن الخشوع يرتبط دوما بالالتحام بالأرض وبالواقع الأرضي اليومي، وليس بالتحليق في الأبراج العاجية.. كما أنه ليس هدفا بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة للإنتاج.. (اهتزاز الأرض وإنباتها في مثال خشوع الأرض، وإنتاج فهم جديد في مثال خشوع التعامل مع الكتاب)..
ولا ينبغي هنا أن نتجاوز ثلاث ملاحظات:
- أولاً، ارتباط الخشوع (المؤدي إلى الإنتاج) بالقلب ( الذي هو الجوهر، والذي يعني الثوابت التي لن تُمَسّ في عملية التجديد بل ستكون أساساً قويا للبناء عليه)..
- ثانيا، أن السياق القرآني لم يَصِمْ كل هؤلاء (الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم) بالفسوق، بل قال (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، أي ليس كل من رفض التجديد وطال عليه الأمد في تعامله مع الكتاب هو فاسق بالضرورة، بل قد يكون يعتقد أنه يدافع عن الدين وعن الكتاب، وهذا أيضا أمر مشاهد في الكثير من الحرس القديم الذين هم ضد أي جديد بالمطلق بنية إيجابية أحيانا..
- ثالثا، إن الإتيان بفهم جديد لا يشترط التناقض والتصادم مع الفهم القديم بالضرورة، بل قد يكون إضافة بُعدٍ جديد يفعّل المزيد من المعاني دون أن يلغي ما سبق بالضرورة، مثال ذلك القراءة السابقة لآيات الخشوع في التعامل مع الكتاب، فقد تعودنا أن يتعلق الخشوع بالانفعال العاطفي المباشر بالتذكير بآيات الله، والفهم الآخر الذي يفترض علاقة الخشوع بالفهم المنتج للكتاب لا يلغي الفهم السابق بل يوسعه فحسب، في الوقت نفسه هناك بعض القراءات المتناقضة بالضرورة والتي لا يمكن الجمع بينها، على سبيل المثال قراءة آيات سورة الأنعام المتعلقة بسيدنا إبراهيم (قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ)، هذه الآيات لا تحتمل الجمع بين القراءة السائدة التي تعدّ أن إبراهيم كان يحاور قومه، والقراءة الأخرى الأكثر انسجاما مع النص والتي لها جذور أكثر أصالة، التي ترى أن إبراهيم كان يتساءل فعلا وأن ذلك كان قبل النبوة والوحي.
في كل الأحوال، التجديد ضرورة حقيقية بل هو سنة الأنبياء والصحابة ومن "اتبعهم بإحسان" فلننتبه أن الاتباع مشروط هنا بـ-الإحسان-، وما دام ينطلق من ثوابت واضحة لا تمس الخطوط الحمراء ولا تمس الحلال والحرام فهو الحصانة الحقيقية ضد "طول الأمد" في التعامل مع الكتاب الذي يؤدي إلى قسوة القلب، أي إلى عدم التفاعل، وبالتالي عدم الإنتاج..
التجديد الحقيقي لا ينعزل عن الواقع، لكن الأمر المهم هنا في عدم العزلة، هو أنه لا يستلهم الواقع لكي يكون مصدره في التجديد، أي إنه لا يجعل من التجديد حجة لتطويع النص الديني وجعله منسجما مع الواقع، على العكس، التفاعل مع الواقع يجب أن يكون مستفزا للنص لكي يُستخرَج منه كل ما يمكن من أجل تغيير الواقع وإعادة بنائه (أليس هذا ما أنزل النص من أجله في الأساس؟)، وليس العكس، ليس قراءة النص من أجل إعادة بناء النص..
التشويه الكبير الحاصل مع التجديد يأتي مع هذا النوع من ادعاء التجديد، أي من مشروع حقيقي لإعادة قراءة النص على نحو ينسجم مع الواقع المفروض وأفكاره ومبادئه.. جزء من هذا المشروع هو ذلك الجهد الذي يبذله "أدعياء التجديد الديني" بنجاح متفاوت في الأمر، مشروع هؤلاء لا ينبغي أن يُقرَأ كما لو كان محض "فتاوى شاذة" متفرقة تحلل الحرام فحسب، إذ كان هناك دوما فتاوى شاذة مشابهة الى حد ما من قبل فقهاء وعلماء معروفين ولهم مكانة ما في التراث الإسلامي، لكن ذلك يجب أن يُقرأ ضمن جهد أدعياء التجديد الكلي، إذ إن الهدف التراكمي الواضح من كل قراءتهم لم يكن محض إباحة للخمر مثلا أو نزع للحجاب، بل كان في قراءة تؤصل تعطيل النص وتحييده عن أية إمكانية للتفعيل، وهنا خطورتهم الحقيقية، شخصيا لا أفترض نظرية مؤامرة وتجنيد مبكر لهؤلاء، فنحن نعيش في عصر صار التغريب ينتشر فيه بقوة الإنجاز الغربي دون الحاجة إلى عملاء مباشرين لنشره (على العكس من الأمر في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، إذ كان الأمر يحتاج آنذاك إلى مفكرين مجندين لنشر التغريب، وليس من باب الأسلمة بالضرورة، أما اليوم فالأمر ابتداء يبدأ من عقيدة النقص والاستلاب الذي يستمد روافده الأساسية من الإنجاز الغربي ومن اللاإنجاز الإسلامي) لاحقا، وعندما يثبت بعض هؤلاء جدارة في كونهم قادرين على نشر الأفكار الغربية بصبغة إسلامية فإنهم يتلقون دعما معلوما وواضحا..
أي محاولة لغض النظر عن تقارير مؤسسة "راند" وتجاهلها تشبه محاولة بائسة لدفن الرأس في الرمال، وتقارير مؤسسة "راند" واضحة وصريحة تذكر أسماء معينة من أدعياء التجديد وتوصي بدعمهم -المادي ؟- والمعنوي (وهذه التقارير منشورة علنا في موقع المؤسسة الرسمي وباللغتين العربية والانجليزية، أي إننا لا نتكلم عن كتاب مجهول المصدر -بروتوكولات حكماء صهيون على سبيل المثال- الذي يمكن دوما المجادلة بأنه مزيف، رغم أن الواقع منحه مصداقية فائقة).. تجديد هؤلاء لا يخرج الأمة من طول الأمد بقدر ما يحاول إدخالها في أمد آخر قد لا يتوافق مع ثوابتها ومنطلقاتها، وقد لا يؤدي أيضا إلى أهدافها..
لكن هؤلاء يظلون رغم خطورتهم القمة البارزة من جبل جليد غاطس في الماء، إنهم يمثلون التجديد المزيف الذي يمكن كشفه بسهولة لأنه يتجاوز خطوطا حمراء كثيرة، لكن هناك تحت السطح ظواهر تجديدية لا تقل خطورة وقد تزيد على المدى البعيد، أصحاب هذه الظواهر التجديدية ليسوا مثل أدعياء التجديد، وهم لا يقتربون من أي خط أحمر حاسم، كما أنهم يدعون غالبا إلى الالتزام بالشعائر والأخلاق الإسلامية ولا أتصورهم إلا مخلصين في ذلك، لكن مشكلة "تجديدهم" أنه محاولة غير واعية لأسلمة كل ما يفترضون إيجابيته في الحضارة الغربية عبر البحث عن نص ديني يمنح معنى مشابهاً أو حادثة في السيرة يمكن تأويلها على نحو مماثل، والخطورة في ذلك تكمن في سطحية النظرة القائلة أنه يمكن استيراد بعض إيجابيات الغرب ونقلها بالمسطرة دون أخذ الجذور الفكرية والعقائدية لهذه الإيجابيات، وهو أمر سطحي وسائد للأسف ويقوم على نشره رجال دين ودعاة دون الانتباه إلى خطورة ما يفعلون، مثال على ذلك ظاهرة احترام الوقت، احترام الوقت ظاهرة إيجابية غربية مهمة (ومبالغ في حقيقة وجودها بالمناسبة، في أمريكا على الأقل)، في الوقت نفسه، احترام الوقت "مقدس" في الإسلام وبنصوص كثيرة لا سبيل لإيرادها الآن، لكن هذا التشابه ينتهي هنا، جذور الأمرين مختلفة تماما، فاحترام الوقت في الغرب ظاهرة سلوكية مرتبطة بالربح والمادة واعتبارهما المقياس الأول، بينما هو يرتبط في الإسلام بقيم عقائدية مختلفة تماما وترتبط على نحو أساسي بوجود الإنسان على هذه الأرض ووظيفته عليها، الربط بين الأمرين غير ممكن، و الادعاء الدائم بأن "الغرب قد سبقنا لأنه طبق ما نملكه نحن أصلا" ليس أمرا خاطئا وسطحيا فحسب بل هو في الوقت نفسه لا يخلو من خطورة لأنه يمنح شرعنة غير مباشرة للجذور الفكرية لهذه الظاهرة الإيجابية في حد ذاتها بمعزل عن جذورها التي قد تكون مخالفة لثوابت عقدية، المتلقي لا يعيش في أنبوبة مفرغة من الهواء، بل هو يعيش إنجازات الغرب ونجاحاته ومنتجاته والتسبيح بحمده ليل نهار -إعلاميا- شاء أم أبى، وهذا كله يجعله مهيئا ولو على نحو غير واع لتقبل كل ما في الغرب واعتباره هو المصدر الأساسي في كل شيء، ومقاربات ومقارنات من هذا النوع تسهم في ذلك بأكثر مما يتخيل دعاة هذا النوع من الأسلمة، بعبارة أخرى، تأصيل احترام الوقت أمر مهم وحتمي، لكن ذلك يجب أن يتم بأدوات إسلامية وضمن نفس المضمار الذي غرس في الجيل الأول.. احترام الوقت دون الحاجة إلى مقارنات ومقاربات مع منظومات حضارية مختلفة... ماذا لو كان الغرب لا يحترم الوقت مثلا، هل سيكون علينا أن لا ندعو إلى احترام الوقت أو نتجاهل الأمر..؟ احترام الوقت جزء أساسي من ديننا بغض النظر عن الغرب، خمس دقائق فقط كفيلة بإخراج الصلاة عن وقتها.. عندما نراجع ذلك مع أهمية الصلاة وكونها عمادا للدين، لا بد أن يترسخ احترام الوقت لكل من يلتزم بالصلاة، عندما يُقدَّم له مفهوم الالتزام بالصلاة على هذا النحو..
أمر آخر يسيء إلى التجديد على نحو غير مباشر، هو إعادة تقديم التراث (أي الفهم البشري للنص الديني) بأسلوب جديد معاصر وباستخدام تقنيات حديثة (عرض شرائح أو تقديم ثلاثي الأبعاد..إلخ) ومن ثم توصيف هذا الأمر بأنه تجديد... لا مشكلة طبعا في إعادة تقديم التراث فبعض ما فيه صالح للاستخدام المعاصر أكثر بكثير من أغلب الحداثيين وهمهماتهم (كما لا بد من اجتثاث البعض الآخر منه واستئصاله بلا هوادة ) لكن المشكلة هي في إيهام المتلقي أن هذا هو التجديد: مجرد إعادة تقديم ما قاله الأولون بثوب جديد ولون جديد، مجرد طبعة إلكترونية من كتاب قديم.. وهذا الأمر يرسخ في الأذهان أنه لم يعد هناك جديد، وأن كل ما يمكن فعله هو إعادة القديم بثوب جديد وهيئة جديدة، أكرر: لا بد من استثمار بعض التراث وتقديمه على نحو يسهل التفاعل معه، لكن هذا شيء والتجديد شيء آخر تماما، والخلط بينهما يضر بمفهوم التجديد.. لا خروج هنا من "طول الأمد" بقدر ما هناك تزيين لنفس الأمد وإضفاء بعض الملامح و الديكورات "الحديثة" عليه..
خلط آخر بدأ ينتشر مؤخرا، وهو الخلط بين التجديد وبين الأعمال الخيرية المتنوعة والمبادرات الفردية والجماعية في هذا المجال، لا شك أن هذه الأعمال والمبادرات الخيرية مهمة وتستحق كل الاحترام والدعم، لكن فعل الخير لا يجب أن يخلط مع مفهوم التجديد، كما يجب أن نتذكر أن الأمة لم تعدم قط من يفعل الخير، لا ننكر قطعا الحاجة الماسة إلى التنظيم وتحويل الجهود الفردية إلى جهد جماعي يصب في خدمة المجتمع، لكن هذا كله –على أهميته- ليس تجديدا، قد يمكن المجادلة هنا أن هذا هو تجديد في العمل الخيري، وهو ممكن ضمنا، لكن إطلاق كلمة التجديد كانت منصبة دوما (وعن حق) على المجال الفكري فقط، وكل المجددين في العصور المتلاحقة كانوا أولئك الذين قدموا جهدا فكريا يصب لصالح تجديد دين الأمة، بالضبط كما جاء في الحديث الشريف الذي حدد تجديد دين الأمة، وليس الدين بالإطلاق، (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)، فالنص الشريف حدد دين الأمة، أي فهمها لهذا الدين، وليس "الدين" بالإطلاق، الذي نعرف ثباته وعلوه عن أي تغير زمان ومكان، وهذا يربط عملية التجديد بالجهد الفكري الذي يبذل لتقديم فهم جديد وفعّال للتعامل مع الكتاب بالضوابط والشروط التي مر ذكرها، وليس بالعمل الخيري بكل حال من الأحوال..
من النتائج غير المباشرة للربط بين التجديد والعمل الخيري، الإيحاء بأن التجديد عمل جماعي، يمكن لفريق كامل أن يشارك فيه، بل يصل الأمر أحيانا لوصف الجيل كله بذلك، صحيح أن الأمر قد يستخدم لغرض إثارة حماس هذا الجيل نحو التجديد و النهضة، لكن طبيعة الأمر لا تحتمل هذا التبسيط، فعملية التجديد ليست عملا جماعيا بل لا يمكن أن تكون كذلك، بل هي عملية فردية حتما في شرارتها الأولى على الأقل، وقد تتطلب وقتا كبيرا قبل أن تنتقل الشرارة إلى مرحلة أخرى ينتشر فيها نورها إلى أعداد كبيرة – أي إلى الجماعة.
أمر آخر غير مباشر ينتج عن هذه النظرة للتجديد، هو الإيحاء-عبر الهالة الاحتفالية إعلاميا- بأن طريق المجددين سيكون مرضيا عنه جماهيريا، والحقيقة أن أية عملية تجديد حقيقية لا بد أن ترتطم بأفكار قديمة مكرسة وبمؤسسات تستمد وجودها من سلطة هذه الأفكار المكرسة و ليس من الضروري أبدا أن الجماهير ستنحاز لصالح التجديد، والمجدد الحقيقي لا بد أن يدرك طبيعة حقول الألغام التي يخوض فيها، فتجديده جهاد متعدد الجبهات، مرة مع الفكرة الأساسية التي يعمل عليها ويستخلصها من النص الأصلي ملتزما بشروط تضبط هذا التجديد وتمنعه من الشطط، ومّرة مع المؤسسات التقليدية التي سترى في تجديده مساسا بسلطتها حتى لو لم يمس هيبة النص، ومّرة مع أدعياء التجديد الذين شوهوا مفهوم التجديد وعلى المجدد الحقيقي أن يثبت دوما أنه ليس منهم..
قبل مدة وجيزة، كتب لي أحد القراء، وعمره لا يتجاوز العقدين كما يبدو من بريده الإلكتروني، موقعا باسم اختاره لنفسه: مجدد قادم !... في هذا استسهال لأمر التجديد ناتج عن تلك الأفكار المبسطة التي انتشرت مؤخرا، وهو استسهال مضر بالتجديد الحقيقي الذي يجب أن يتواضع أصحابه تجاه مسئولياتهم الجسيمة، لا يوجد مجدد حقيقي واحد يجرؤ على أن يطلق على نفسه اسم "مجدد".... يمكن أن يبذل جهوده في التجديد، أن يدعو إلى التجديد، لكن لقب المجدد لن يستحقه حقا إلا بعدما يبرهن الزمن أن أفكاره قابلة للتطبيق وأنها قادرة على المساهمة في إخراج الأمة من عنق زجاجة الأمد الطويل..
مفاهيم دينية كثيرة تعرضت لسوء الاستعمال والتشويه ومن ضمنها مفهوم التجديد الديني الذي تعرّض ويتعرض لعدة أنواع من سوء الاستعمال المتعمد وغير المتعمد. يستند مفهوم التجديد من الناحية التأصيلية الشرعية إلى حديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا » (رواه أبو داود والحاكم وابن خزيمة والبيهقي والطبراني)... لكن التجديد وإن رُبِط بهذا الحديث لوضوحه واشتهاره فإنه يظل أكبر من الاستناد إلى حديث واحد فقط، فالتجديد يمكن أن يربط أصلا بالنص القرآني الذي فتح باب التجديد عندما حذرنا من المكوث في طول الأمد في التعامل مع الكتاب (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد 16، فالسياق هنا يتحدث عن "تعامل معين مع الكتاب"، أي بعبارة أخرى عن "فهمٍ معين للنص الديني"، تعامل طال عليه "الأمد".. والأمد في لسان العرب يعني المدة الزمنية الطويلة، أو منتهى العمر، والمعنى هنا أنهم مكثوا في أمد معين دون حراك، أي أن تعاملهم مع الكتاب ( فهمهم للنص) لبث في فترة زمنية وبقراءة معينة دون تغيير، وأدى ذلك إلى أن "قست قلوبهم" وقسوة القلب هنا هي مناقضة لخشوع القلب الذي طالبت نفس الآية المؤمنين به في مطلعها "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"...
وقد ذكر الخشوع في القرآن في تكامل مع الإنتاج والإثمار فخشوع الأرض في القرآن الكريم كان تمهيدا لإنتاجها وإثمارها كما في (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) فصلت 39.. كما أن المعنى الأساسي للفعل خشع في لسان العرب يعني النزول والهبوط ومنه، كما في (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ)، وهذا يلفت نظرنا إلى أن الخشوع يرتبط دوما بالالتحام بالأرض وبالواقع الأرضي اليومي، وليس بالتحليق في الأبراج العاجية.. كما أنه ليس هدفا بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة للإنتاج.. (اهتزاز الأرض وإنباتها في مثال خشوع الأرض، وإنتاج فهم جديد في مثال خشوع التعامل مع الكتاب)..
ولا ينبغي هنا أن نتجاوز ثلاث ملاحظات:
- أولاً، ارتباط الخشوع (المؤدي إلى الإنتاج) بالقلب ( الذي هو الجوهر، والذي يعني الثوابت التي لن تُمَسّ في عملية التجديد بل ستكون أساساً قويا للبناء عليه)..
- ثانيا، أن السياق القرآني لم يَصِمْ كل هؤلاء (الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم) بالفسوق، بل قال (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، أي ليس كل من رفض التجديد وطال عليه الأمد في تعامله مع الكتاب هو فاسق بالضرورة، بل قد يكون يعتقد أنه يدافع عن الدين وعن الكتاب، وهذا أيضا أمر مشاهد في الكثير من الحرس القديم الذين هم ضد أي جديد بالمطلق بنية إيجابية أحيانا..
- ثالثا، إن الإتيان بفهم جديد لا يشترط التناقض والتصادم مع الفهم القديم بالضرورة، بل قد يكون إضافة بُعدٍ جديد يفعّل المزيد من المعاني دون أن يلغي ما سبق بالضرورة، مثال ذلك القراءة السابقة لآيات الخشوع في التعامل مع الكتاب، فقد تعودنا أن يتعلق الخشوع بالانفعال العاطفي المباشر بالتذكير بآيات الله، والفهم الآخر الذي يفترض علاقة الخشوع بالفهم المنتج للكتاب لا يلغي الفهم السابق بل يوسعه فحسب، في الوقت نفسه هناك بعض القراءات المتناقضة بالضرورة والتي لا يمكن الجمع بينها، على سبيل المثال قراءة آيات سورة الأنعام المتعلقة بسيدنا إبراهيم (قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ)، هذه الآيات لا تحتمل الجمع بين القراءة السائدة التي تعدّ أن إبراهيم كان يحاور قومه، والقراءة الأخرى الأكثر انسجاما مع النص والتي لها جذور أكثر أصالة، التي ترى أن إبراهيم كان يتساءل فعلا وأن ذلك كان قبل النبوة والوحي.
في كل الأحوال، التجديد ضرورة حقيقية بل هو سنة الأنبياء والصحابة ومن "اتبعهم بإحسان" فلننتبه أن الاتباع مشروط هنا بـ-الإحسان-، وما دام ينطلق من ثوابت واضحة لا تمس الخطوط الحمراء ولا تمس الحلال والحرام فهو الحصانة الحقيقية ضد "طول الأمد" في التعامل مع الكتاب الذي يؤدي إلى قسوة القلب، أي إلى عدم التفاعل، وبالتالي عدم الإنتاج..
التجديد الحقيقي لا ينعزل عن الواقع، لكن الأمر المهم هنا في عدم العزلة، هو أنه لا يستلهم الواقع لكي يكون مصدره في التجديد، أي إنه لا يجعل من التجديد حجة لتطويع النص الديني وجعله منسجما مع الواقع، على العكس، التفاعل مع الواقع يجب أن يكون مستفزا للنص لكي يُستخرَج منه كل ما يمكن من أجل تغيير الواقع وإعادة بنائه (أليس هذا ما أنزل النص من أجله في الأساس؟)، وليس العكس، ليس قراءة النص من أجل إعادة بناء النص..
التشويه الكبير الحاصل مع التجديد يأتي مع هذا النوع من ادعاء التجديد، أي من مشروع حقيقي لإعادة قراءة النص على نحو ينسجم مع الواقع المفروض وأفكاره ومبادئه.. جزء من هذا المشروع هو ذلك الجهد الذي يبذله "أدعياء التجديد الديني" بنجاح متفاوت في الأمر، مشروع هؤلاء لا ينبغي أن يُقرَأ كما لو كان محض "فتاوى شاذة" متفرقة تحلل الحرام فحسب، إذ كان هناك دوما فتاوى شاذة مشابهة الى حد ما من قبل فقهاء وعلماء معروفين ولهم مكانة ما في التراث الإسلامي، لكن ذلك يجب أن يُقرأ ضمن جهد أدعياء التجديد الكلي، إذ إن الهدف التراكمي الواضح من كل قراءتهم لم يكن محض إباحة للخمر مثلا أو نزع للحجاب، بل كان في قراءة تؤصل تعطيل النص وتحييده عن أية إمكانية للتفعيل، وهنا خطورتهم الحقيقية، شخصيا لا أفترض نظرية مؤامرة وتجنيد مبكر لهؤلاء، فنحن نعيش في عصر صار التغريب ينتشر فيه بقوة الإنجاز الغربي دون الحاجة إلى عملاء مباشرين لنشره (على العكس من الأمر في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، إذ كان الأمر يحتاج آنذاك إلى مفكرين مجندين لنشر التغريب، وليس من باب الأسلمة بالضرورة، أما اليوم فالأمر ابتداء يبدأ من عقيدة النقص والاستلاب الذي يستمد روافده الأساسية من الإنجاز الغربي ومن اللاإنجاز الإسلامي) لاحقا، وعندما يثبت بعض هؤلاء جدارة في كونهم قادرين على نشر الأفكار الغربية بصبغة إسلامية فإنهم يتلقون دعما معلوما وواضحا..
أي محاولة لغض النظر عن تقارير مؤسسة "راند" وتجاهلها تشبه محاولة بائسة لدفن الرأس في الرمال، وتقارير مؤسسة "راند" واضحة وصريحة تذكر أسماء معينة من أدعياء التجديد وتوصي بدعمهم -المادي ؟- والمعنوي (وهذه التقارير منشورة علنا في موقع المؤسسة الرسمي وباللغتين العربية والانجليزية، أي إننا لا نتكلم عن كتاب مجهول المصدر -بروتوكولات حكماء صهيون على سبيل المثال- الذي يمكن دوما المجادلة بأنه مزيف، رغم أن الواقع منحه مصداقية فائقة).. تجديد هؤلاء لا يخرج الأمة من طول الأمد بقدر ما يحاول إدخالها في أمد آخر قد لا يتوافق مع ثوابتها ومنطلقاتها، وقد لا يؤدي أيضا إلى أهدافها..
لكن هؤلاء يظلون رغم خطورتهم القمة البارزة من جبل جليد غاطس في الماء، إنهم يمثلون التجديد المزيف الذي يمكن كشفه بسهولة لأنه يتجاوز خطوطا حمراء كثيرة، لكن هناك تحت السطح ظواهر تجديدية لا تقل خطورة وقد تزيد على المدى البعيد، أصحاب هذه الظواهر التجديدية ليسوا مثل أدعياء التجديد، وهم لا يقتربون من أي خط أحمر حاسم، كما أنهم يدعون غالبا إلى الالتزام بالشعائر والأخلاق الإسلامية ولا أتصورهم إلا مخلصين في ذلك، لكن مشكلة "تجديدهم" أنه محاولة غير واعية لأسلمة كل ما يفترضون إيجابيته في الحضارة الغربية عبر البحث عن نص ديني يمنح معنى مشابهاً أو حادثة في السيرة يمكن تأويلها على نحو مماثل، والخطورة في ذلك تكمن في سطحية النظرة القائلة أنه يمكن استيراد بعض إيجابيات الغرب ونقلها بالمسطرة دون أخذ الجذور الفكرية والعقائدية لهذه الإيجابيات، وهو أمر سطحي وسائد للأسف ويقوم على نشره رجال دين ودعاة دون الانتباه إلى خطورة ما يفعلون، مثال على ذلك ظاهرة احترام الوقت، احترام الوقت ظاهرة إيجابية غربية مهمة (ومبالغ في حقيقة وجودها بالمناسبة، في أمريكا على الأقل)، في الوقت نفسه، احترام الوقت "مقدس" في الإسلام وبنصوص كثيرة لا سبيل لإيرادها الآن، لكن هذا التشابه ينتهي هنا، جذور الأمرين مختلفة تماما، فاحترام الوقت في الغرب ظاهرة سلوكية مرتبطة بالربح والمادة واعتبارهما المقياس الأول، بينما هو يرتبط في الإسلام بقيم عقائدية مختلفة تماما وترتبط على نحو أساسي بوجود الإنسان على هذه الأرض ووظيفته عليها، الربط بين الأمرين غير ممكن، و الادعاء الدائم بأن "الغرب قد سبقنا لأنه طبق ما نملكه نحن أصلا" ليس أمرا خاطئا وسطحيا فحسب بل هو في الوقت نفسه لا يخلو من خطورة لأنه يمنح شرعنة غير مباشرة للجذور الفكرية لهذه الظاهرة الإيجابية في حد ذاتها بمعزل عن جذورها التي قد تكون مخالفة لثوابت عقدية، المتلقي لا يعيش في أنبوبة مفرغة من الهواء، بل هو يعيش إنجازات الغرب ونجاحاته ومنتجاته والتسبيح بحمده ليل نهار -إعلاميا- شاء أم أبى، وهذا كله يجعله مهيئا ولو على نحو غير واع لتقبل كل ما في الغرب واعتباره هو المصدر الأساسي في كل شيء، ومقاربات ومقارنات من هذا النوع تسهم في ذلك بأكثر مما يتخيل دعاة هذا النوع من الأسلمة، بعبارة أخرى، تأصيل احترام الوقت أمر مهم وحتمي، لكن ذلك يجب أن يتم بأدوات إسلامية وضمن نفس المضمار الذي غرس في الجيل الأول.. احترام الوقت دون الحاجة إلى مقارنات ومقاربات مع منظومات حضارية مختلفة... ماذا لو كان الغرب لا يحترم الوقت مثلا، هل سيكون علينا أن لا ندعو إلى احترام الوقت أو نتجاهل الأمر..؟ احترام الوقت جزء أساسي من ديننا بغض النظر عن الغرب، خمس دقائق فقط كفيلة بإخراج الصلاة عن وقتها.. عندما نراجع ذلك مع أهمية الصلاة وكونها عمادا للدين، لا بد أن يترسخ احترام الوقت لكل من يلتزم بالصلاة، عندما يُقدَّم له مفهوم الالتزام بالصلاة على هذا النحو..
أمر آخر يسيء إلى التجديد على نحو غير مباشر، هو إعادة تقديم التراث (أي الفهم البشري للنص الديني) بأسلوب جديد معاصر وباستخدام تقنيات حديثة (عرض شرائح أو تقديم ثلاثي الأبعاد..إلخ) ومن ثم توصيف هذا الأمر بأنه تجديد... لا مشكلة طبعا في إعادة تقديم التراث فبعض ما فيه صالح للاستخدام المعاصر أكثر بكثير من أغلب الحداثيين وهمهماتهم (كما لا بد من اجتثاث البعض الآخر منه واستئصاله بلا هوادة ) لكن المشكلة هي في إيهام المتلقي أن هذا هو التجديد: مجرد إعادة تقديم ما قاله الأولون بثوب جديد ولون جديد، مجرد طبعة إلكترونية من كتاب قديم.. وهذا الأمر يرسخ في الأذهان أنه لم يعد هناك جديد، وأن كل ما يمكن فعله هو إعادة القديم بثوب جديد وهيئة جديدة، أكرر: لا بد من استثمار بعض التراث وتقديمه على نحو يسهل التفاعل معه، لكن هذا شيء والتجديد شيء آخر تماما، والخلط بينهما يضر بمفهوم التجديد.. لا خروج هنا من "طول الأمد" بقدر ما هناك تزيين لنفس الأمد وإضفاء بعض الملامح و الديكورات "الحديثة" عليه..
خلط آخر بدأ ينتشر مؤخرا، وهو الخلط بين التجديد وبين الأعمال الخيرية المتنوعة والمبادرات الفردية والجماعية في هذا المجال، لا شك أن هذه الأعمال والمبادرات الخيرية مهمة وتستحق كل الاحترام والدعم، لكن فعل الخير لا يجب أن يخلط مع مفهوم التجديد، كما يجب أن نتذكر أن الأمة لم تعدم قط من يفعل الخير، لا ننكر قطعا الحاجة الماسة إلى التنظيم وتحويل الجهود الفردية إلى جهد جماعي يصب في خدمة المجتمع، لكن هذا كله –على أهميته- ليس تجديدا، قد يمكن المجادلة هنا أن هذا هو تجديد في العمل الخيري، وهو ممكن ضمنا، لكن إطلاق كلمة التجديد كانت منصبة دوما (وعن حق) على المجال الفكري فقط، وكل المجددين في العصور المتلاحقة كانوا أولئك الذين قدموا جهدا فكريا يصب لصالح تجديد دين الأمة، بالضبط كما جاء في الحديث الشريف الذي حدد تجديد دين الأمة، وليس الدين بالإطلاق، (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)، فالنص الشريف حدد دين الأمة، أي فهمها لهذا الدين، وليس "الدين" بالإطلاق، الذي نعرف ثباته وعلوه عن أي تغير زمان ومكان، وهذا يربط عملية التجديد بالجهد الفكري الذي يبذل لتقديم فهم جديد وفعّال للتعامل مع الكتاب بالضوابط والشروط التي مر ذكرها، وليس بالعمل الخيري بكل حال من الأحوال..
من النتائج غير المباشرة للربط بين التجديد والعمل الخيري، الإيحاء بأن التجديد عمل جماعي، يمكن لفريق كامل أن يشارك فيه، بل يصل الأمر أحيانا لوصف الجيل كله بذلك، صحيح أن الأمر قد يستخدم لغرض إثارة حماس هذا الجيل نحو التجديد و النهضة، لكن طبيعة الأمر لا تحتمل هذا التبسيط، فعملية التجديد ليست عملا جماعيا بل لا يمكن أن تكون كذلك، بل هي عملية فردية حتما في شرارتها الأولى على الأقل، وقد تتطلب وقتا كبيرا قبل أن تنتقل الشرارة إلى مرحلة أخرى ينتشر فيها نورها إلى أعداد كبيرة – أي إلى الجماعة.
أمر آخر غير مباشر ينتج عن هذه النظرة للتجديد، هو الإيحاء-عبر الهالة الاحتفالية إعلاميا- بأن طريق المجددين سيكون مرضيا عنه جماهيريا، والحقيقة أن أية عملية تجديد حقيقية لا بد أن ترتطم بأفكار قديمة مكرسة وبمؤسسات تستمد وجودها من سلطة هذه الأفكار المكرسة و ليس من الضروري أبدا أن الجماهير ستنحاز لصالح التجديد، والمجدد الحقيقي لا بد أن يدرك طبيعة حقول الألغام التي يخوض فيها، فتجديده جهاد متعدد الجبهات، مرة مع الفكرة الأساسية التي يعمل عليها ويستخلصها من النص الأصلي ملتزما بشروط تضبط هذا التجديد وتمنعه من الشطط، ومّرة مع المؤسسات التقليدية التي سترى في تجديده مساسا بسلطتها حتى لو لم يمس هيبة النص، ومّرة مع أدعياء التجديد الذين شوهوا مفهوم التجديد وعلى المجدد الحقيقي أن يثبت دوما أنه ليس منهم..
قبل مدة وجيزة، كتب لي أحد القراء، وعمره لا يتجاوز العقدين كما يبدو من بريده الإلكتروني، موقعا باسم اختاره لنفسه: مجدد قادم !... في هذا استسهال لأمر التجديد ناتج عن تلك الأفكار المبسطة التي انتشرت مؤخرا، وهو استسهال مضر بالتجديد الحقيقي الذي يجب أن يتواضع أصحابه تجاه مسئولياتهم الجسيمة، لا يوجد مجدد حقيقي واحد يجرؤ على أن يطلق على نفسه اسم "مجدد".... يمكن أن يبذل جهوده في التجديد، أن يدعو إلى التجديد، لكن لقب المجدد لن يستحقه حقا إلا بعدما يبرهن الزمن أن أفكاره قابلة للتطبيق وأنها قادرة على المساهمة في إخراج الأمة من عنق زجاجة الأمد الطويل..
Sifou- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 30
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 4649
بلدي :
الْنِّقَاط : 20535
السٌّمعَة : 0
Sifou- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 30
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 4649
بلدي :
الْنِّقَاط : 20535
السٌّمعَة : 0
Design-sasuke- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 32
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 8432
بلدي :
الْنِّقَاط : 29399
السٌّمعَة : 0
مواضيع مماثلة
» " لابورتا " بعد التجديد : "واثق أن " بيكيه " سيكون ( كابتن ) .. و هو رمز و مرجعي" !!
» "بيكيه" بعد التجديد : "أريد البقاء هنا كثيراً .. وشكراً ( بيب ) على جهودك لأجلي" !!!
» :" ما السر وراء غياب فيديتش عن العديد من المباريات ؟ هل يود الخروج فعلا ؟ "
» تشكيلة "ملقا" إتضحت بعودة "الكبير" : "يحيى" أو "بوسكيتس" .. و "بيدرو" يعود أساسياً !!
» اللاعب إختار "مدريد" : "روسيل" يجري خلف "ريبيري" .. و "زيدان" يفضله على "رونالدو" !!!
» "بيكيه" بعد التجديد : "أريد البقاء هنا كثيراً .. وشكراً ( بيب ) على جهودك لأجلي" !!!
» :" ما السر وراء غياب فيديتش عن العديد من المباريات ؟ هل يود الخروج فعلا ؟ "
» تشكيلة "ملقا" إتضحت بعودة "الكبير" : "يحيى" أو "بوسكيتس" .. و "بيدرو" يعود أساسياً !!
» اللاعب إختار "مدريد" : "روسيل" يجري خلف "ريبيري" .. و "زيدان" يفضله على "رونالدو" !!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى