المحن بين الابتلاء والعقوبة
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
المحن بين الابتلاء والعقوبة
أ. عبد العزيز الكحيل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]نقتطف مقطعين من رسالة لأحد شيوخ التربية في الحركة الإسلامية يناقش هذا الموضوع بالغ الأهمية والخطورة على الصف الإسلامي ومشروعه الحضاري، يقول الشيخ "هكذا بكل هذا الوضوح نرى الابتلاء الذي يتعرض له أصحاب الدعوات وهو سنة من سنن الله التي لا تتبدل في الدعوات وليست بسبب أخطاء"، ويقول في موضع آخر "إن المحن على طريق الدعوة سنة الله في الدعوات وليست نتيجة أخطاء بل إن عدم تعرض أصحاب الدعوات للمحن يشكك في صحة الطريق الذي يسلكونه وليس من الممكن لأصحاب الدعوة تفادي المحن أو تخفيف حدتها أو تقليل مدتها مع دوام استمساكهم بها".
نستخلص من الفقرتين وهما تلخصان تصور أغلب الشباب الإسلامي ما يلي:
1_ المحن سنة لازمة لا انفكاك عنها.
2_ وقوعها طبيعي ولا يدل على ارتكاب خطأ يستوجبها.
3_ نزول المحن دليل على صحة الطريق المتبعة.
4_ المحن لا يمكن تفاديها ولا التخفيف من حدتها ولا تقليص مدتها.
الآن نسأل:هذه المقررات التي أصبحت بديهيات عند الشباب المتحمس والفصائل الإسلامية غير الراسخة في فقه الدعوة ومقاصد الشريعة ماذا يسندها من الكتاب والسنة؟، وبعبارة أخرى هل هي نتيجة دراسة واعية متعمقة للإسلام أم هي نتيجة المحنة الظالمة التي ألمت برجالات الحركة الإسلامية وطال أمدها فجعلت بعضهم يؤصلون لها حتى ترسخ في الساحة ما أصبح يعرف(بفكر المحنة)إنه لا يخفى على العارف بالأصول والمقاصد والنصوص والسنن الاجتماعية ما في المقطعين المذكورين من مبالغة سافرة في التهويل من إلزامية المحنة،وهنا لابد من طرح سؤال جوهري هو هل يرتكب الدعاة أخطاء أم لا؟
الرد بالإيجاب لا شك فيه لذلك يطرح سؤال ثان هو:كيف يمكن التعرف على أخطاء الدعاة-سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو هيئات-إذا لم يخضع نشاطهم للتقويم؟وواضح أن الجزم بأن المحن ليست نتيجة أخطاء يعفي الدعاة ابتداء من قضية المراجعة والنقذ الذاتي وتقبل النقذ الخارجي ويرسخ في أذهانهم أن ما أصابهم من أذى أمر طبيعي من جهة ودليل على صوابهم من جهة أخرى،وهذا في الحقيقة مكمن الخطر لأنه يورث نوعا من التزكية والذاتية ويحول دون تقويم العمل الدعوي أي يكون سببا للانغلاق والتقوقع ورفض النصيحة والنقد وعدم الاعتبار بالنوازل والتغافل عن الأخطاء والاستمرار في الأسلوب المتبع ولو جر سلسلة من المحن تتوالى حلقاتها بغير نهاية،ولا يغني في هذا الساق أبدا الاستشهاد المتسرع بجزيئات من القرآن الكريم أو السنة المطهرة لأن المحنة كسنة إلهية أكبر من أن تفهم من خلال الجزيئات وإنما يحاط بأمرها بالتناول الكلي الذي يحضر كل النصوص المتعلقة بها ويربط بينها وينقي ما يبدو للنظر السطحي متناقضا،فلماذا نتمسك بقول الله تعالى:"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله"ونفهم منه إلزامية المحنة وهو لا يعني ذلك أبدا ونغفل عن قوله تعالى:"وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم".. والحاصل أن نظرية المحنة السائدة أقرب إلى رد الفعل البشري منه إلى البناء التصوري المنهجي المؤصل، وقد صرنا ندرك خطورة هذه النظرية عندما أنتجت مازوشية حقيقية لدى قطاع كبير من الإسلاميين تمثلت في المنهج الدموي المتلذذ بالآلام والدماء والأشلاء والسجون...إذا هل المحنة لا تعتبر في الدعوة إلا ابتلاء فقط؟
المحنة والابتلاء:
قد تكون المحنة مما يبتلى به الإنسان أو أي دعوة تغييرية من أجل التمحيص والاصطفاء، وهي قبل ذلك سنة في حياة الخلق جميعا وتحيط بأصحاب الدعوات خاصة مهما كانت توجهاتهم فمن ثبت منهم وصدق جاءه الفوز والتمكين ،حدث هذا مع (نيلسون منديلا) و(ألكسندر سوليجنتسين) وحركات فكرية وسياسية يعرفها الجميع،ونجد في مقدمة كل هؤلاء الأنبياء والمصلحين قديما وحديثا.
والمقياس هنا أن أصحاب الدعوة يتحرون الصواب ويتمسكون به ويراجعون أنفسهم وأساليبهم ووسائلهم بانتظام للثبات على المنهج الصحيح ومع ذلك تنزل بساحتهم بعض المصائب-وليس بالضرورة القتل والحبس كما سنوضح-لتزيدهم تمسكا بقضيتهم.
المحنة والعقوبة:
ولكن الطامة الكبرى في التغافل عن أن المحنة قد يتسبب فيها صاحب الدعوة نفسه بأخطائه وسلبياته فتخرج عن سنة الابتلاء إلى سنة العقوبة،وكما أن الذي يتعامل مع أسلاك الكهرباء بدون أدوات واقية يصاب بالأذى جراء إهماله فإن الذي يتعامل مع قضايا الدعوة والحركة بدون مؤهلات وبغير علم وبصيرة في جزئية من الجزئيات فضلا عن الأمور الكبرى يصيبه الأذى جراء إهماله ومن عمى البصيرة أن يعتبر ذلك ابتلاء وسنة كونية لا يمكن تفاديها ولا دليل امتياز كما يتصور(المازوشيون)والمسألة إذا ليست محسومة بتلك السهولة والسطحية المدهشة إنما هي مسألة مقاييس ربانية علمية صارمة لا تحابي ولا تتبدل,فإذا توفرت لدى الدعاة المؤمنين سلامة القصد والوسائل المناسبة كانوا أبعد عن الفواجع فإذا ألمت بهم كانت ابتلاء يصبرون عليه لينالوا الجزاءين ,فأما إذا شاب عملهم فساد في النية وعطب في الوسائل ولم ينتبهوا إلى ذلك كان حقا عليهم أن تصيبهم السنة الماضية في شكل مصائب هي هنا عقوبة على الخلل الموجود وليست تزكية كما يظنون، وهذا نبي الله يونس عليه السلام لم تكن محنته ابتلاء وإنما هي عقوبة على خروجه من دار الدعوة بغير إذن إلهي ولذلك وجدناه يتهم نفسه بتنزيهه لله عز وجل (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ولو أن الدعاة فقهوا هذا المعنى لاعتبروا المحن منبهات توقظهم ليحاسبوا أنفسهم وإذن لجنبوا أنفسهم ودعوتهم وأمتهم كثيرا من المصائب التي استنزلوها بغفلاتهم.
هل المحن مقياس الصواب؟
لا يختلف المنصفون في الإجابة بالنفي بل حدث أكثر من ذلك بسبب الأخطاء والأهواء والتهور والمجازفة المجانية وليس من الخير ولا العزة في شيء أن نتمسك بالأوهام أمام الحقائق الناطقة,ولا ننكر مع ذلك أن مالحق ببعض الحركات في فترات معينة كان بالمقاييس الصحيحة ابتلاء إلهيا خرجت منه كالذهب الإبريز,ولكن هذا يكاد يكون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة التي أصبحت مع الأسف هي العقوبة الإلهية على الأخطاء والغرور,فمن يجرؤ على القول بأم ما جري في الجزائر طيلة التسعينات وما جرى في سوريا في بداية الثمانينات دليل على صواب الحركات الإسلامية؟أليس هو بكل وضوح عقابا طبيعيا على مطبات قاتلة؟وإذا بلغ الإسلاميون في ماليزيا وتركيا مثلا غاياتهم دون سجون ولا مواجهة دموية فهل هذا دليل على أنهم على خطأ؟وأكثر من ذلك ماذا نقول عن أنبياء كرام لم يذكر القرآن أن المحن قد صبت عليهم صبا بل ذكرت تمكينهم في الأرض,فهل كانوا إذن مخطئين؟.. وهو حال داود وسليمان بالذات ...إن تظافر النصوص الشرعية والتجارب التاريخية والواقع المعاصر يسمح لنا أن نجزم بأن المحن ليست بالضرورة مقياسا للصواب بل يسمح لنا بالبحث عن بديل عن نظرية المحنة ينسجم مع روح الإسلام ومقاصده ونصوصه ويستفيد من رصيد التجربة المعاشة.
فكر المحنة وفكر العافية:
إن المشكلة لا تتمثل في تعرض أو عدم تعرض أصحاب الدعوات للمحن _فهي قضية محسومة بسنة الابتلاء _ ولكن تتمثل في سيطرة فكر المنحة على العقول والسلوكيات باعتباره الفكر الوحيد المتاح ,وهذا لا يشهد له لا الوحي ولا العقل ولا الواقع,فداود وسليمان عليهما السلام وقبلهما إسحاق و إسماعيل عليهما السلام مثلا نجحوا في رسالتهم بفكر العافية وكذلك الأمر بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يؤصل للمحنة بل أصل للعفو والعافية والسلام والأمن من غير أن ينفي سنة الابتلاء فما المقصود بالابتلاء على وجه التحديد؟هل هو بالضرورة التعذيب والمشانق والمعتقلات؟
إن الابتلاء بالنسبة للدعاة قد يأخذ بعض هذه الأشكال لكن في الغالب يتمثل في طول الطريق واعراض الناس وسخرية الوجهاء وذهاب المال والتضييق بأنواعه لكن التفسير الخاطئ لتاريخنا جعل منه مصدر محن لا تنتهي ومرجعية للصدام والبلايا حتى ذهب البعض إلى اعتبار غياب التصادم مع السلطة واغلاق باب السجون دليلا على غياب العمل الإسلامي ذاته,وهذه (المازوشية) واضحة المعالم في أدبيات فترة المحنة وفي الأناشيد الإسلامية والتأريخ للحركة,وانحرف معنى التضحية ليصبح محصورا في دفع النفوس إلى التصادم من أجل السلطة بيد أن من أفضل التضحية بذل الوقت والجهد والمال في مشاريع البناء الروحي والعلمي والحضاري لكن أفكار المحنة أفكار قاتلة لا تكاد تترك مجالا للعمل المتأني العميق في الميادين السياسية والدعوية والاجتماعية والتربوية وغيرها بل إن التركيز على هذا الفكر يعتبر من أصول التثبيط والتوهين إذ بدل إفساح المجال للشباب للإبداع والعطاء في ظل العافية-مع التعريف بسنة الله العامة في الابتلاء-يحدث تركيز عجيب على الدماء والدموع والمشانق والأخدود وهذا ليس من شأنه تكوين العاملين للاسلام بل هو أدنى إلى تكوين مجموعات(انتحارية)تترقب الضربات بسبب وبغير سبب ولا يهدأ لها بال إلا بالصدام.
إن فكر العافية هو الأصل في العمل الدعوي وهو يهدف إلى إرساء قواعد وآليات الحركة الواعية التي تشغل أي حيز متاح بالعطاء والنشاط وتتجنب التعرض للمحن ما استطاعت الى ذلك سبيلا لأن هذه المحن ليست ضربة لازب بل يمكن-ويجب- تفاديها بتفادي أسبابها من غير أن يعنى ذلك الفرار من الزحف ولا إنكار سنة الابتلاء التي لا مندوحة عنها،إنه فكر يسمح بتكثير الأصدقاء والمتعاطفين والعاملين بدل تكثير الأعداء والخصوم والمتوجسين... فهل يعني هذا أنه إيثار للعافية على حساب الدين؟هذا فهم من حجبتهم أجواء المحنة عن إبصار ساحات المهادنة والتغيير الهادئ والبذل الصامت وغلب عليهم تمني لقاء العدو رغم أننا أمرنا بعكس ذلك،وإنما المطلوب إتباع المنهج الدعوي وتفادي أسباب الفتن،وهذا فيه خير كبير جدا خلافا للتصور السائد،كما أنه يتطلب دوام المراجعة للوقوف على الأخطاء الجالبة للمحن فإذا تجنبنا العقاب على الأخطاء وجاء الأذى فهو في هذه الحالة ابتلاء نصبر عليه،ولن يكون أبدا ماحقا ولا معوقا لأنه جزئي مؤقت تؤدى من خلاله مهمة التمحيص والتنقية،فالواجب يقتضي الانتقال من الدروب المعبدة إلى فكر العافية وعدم مصادمة السنن في عملية التغيير وذلك من شأنه فتح العقول والقلوب والمجالات الشاسعة المتعددة للدعوة والحركة،وإذا كان شيوخ معتمدون يخالفون هذا الطرح فالحجة ليست فيمن قال ولكن فيما قال والأمر عندنا محكوم بنصوص الآيات ومنطوق الأحاديث الصحيحة وليست أبدا إقرارا بالأمر الواقع.
ولا يخفى أن ما سبق يتناول العمل الدعوي المعروف أما الجهاد حين يتوجب فله حديث آخر، والمقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال ونحوها فخر للدعاة وميدان لبذل المهج وإرهاق الدماء من اجل النصر والجنة
1_ المحن سنة لازمة لا انفكاك عنها.
2_ وقوعها طبيعي ولا يدل على ارتكاب خطأ يستوجبها.
3_ نزول المحن دليل على صحة الطريق المتبعة.
4_ المحن لا يمكن تفاديها ولا التخفيف من حدتها ولا تقليص مدتها.
الآن نسأل:هذه المقررات التي أصبحت بديهيات عند الشباب المتحمس والفصائل الإسلامية غير الراسخة في فقه الدعوة ومقاصد الشريعة ماذا يسندها من الكتاب والسنة؟، وبعبارة أخرى هل هي نتيجة دراسة واعية متعمقة للإسلام أم هي نتيجة المحنة الظالمة التي ألمت برجالات الحركة الإسلامية وطال أمدها فجعلت بعضهم يؤصلون لها حتى ترسخ في الساحة ما أصبح يعرف(بفكر المحنة)إنه لا يخفى على العارف بالأصول والمقاصد والنصوص والسنن الاجتماعية ما في المقطعين المذكورين من مبالغة سافرة في التهويل من إلزامية المحنة،وهنا لابد من طرح سؤال جوهري هو هل يرتكب الدعاة أخطاء أم لا؟
الرد بالإيجاب لا شك فيه لذلك يطرح سؤال ثان هو:كيف يمكن التعرف على أخطاء الدعاة-سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو هيئات-إذا لم يخضع نشاطهم للتقويم؟وواضح أن الجزم بأن المحن ليست نتيجة أخطاء يعفي الدعاة ابتداء من قضية المراجعة والنقذ الذاتي وتقبل النقذ الخارجي ويرسخ في أذهانهم أن ما أصابهم من أذى أمر طبيعي من جهة ودليل على صوابهم من جهة أخرى،وهذا في الحقيقة مكمن الخطر لأنه يورث نوعا من التزكية والذاتية ويحول دون تقويم العمل الدعوي أي يكون سببا للانغلاق والتقوقع ورفض النصيحة والنقد وعدم الاعتبار بالنوازل والتغافل عن الأخطاء والاستمرار في الأسلوب المتبع ولو جر سلسلة من المحن تتوالى حلقاتها بغير نهاية،ولا يغني في هذا الساق أبدا الاستشهاد المتسرع بجزيئات من القرآن الكريم أو السنة المطهرة لأن المحنة كسنة إلهية أكبر من أن تفهم من خلال الجزيئات وإنما يحاط بأمرها بالتناول الكلي الذي يحضر كل النصوص المتعلقة بها ويربط بينها وينقي ما يبدو للنظر السطحي متناقضا،فلماذا نتمسك بقول الله تعالى:"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله"ونفهم منه إلزامية المحنة وهو لا يعني ذلك أبدا ونغفل عن قوله تعالى:"وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم".. والحاصل أن نظرية المحنة السائدة أقرب إلى رد الفعل البشري منه إلى البناء التصوري المنهجي المؤصل، وقد صرنا ندرك خطورة هذه النظرية عندما أنتجت مازوشية حقيقية لدى قطاع كبير من الإسلاميين تمثلت في المنهج الدموي المتلذذ بالآلام والدماء والأشلاء والسجون...إذا هل المحنة لا تعتبر في الدعوة إلا ابتلاء فقط؟
المحنة والابتلاء:
قد تكون المحنة مما يبتلى به الإنسان أو أي دعوة تغييرية من أجل التمحيص والاصطفاء، وهي قبل ذلك سنة في حياة الخلق جميعا وتحيط بأصحاب الدعوات خاصة مهما كانت توجهاتهم فمن ثبت منهم وصدق جاءه الفوز والتمكين ،حدث هذا مع (نيلسون منديلا) و(ألكسندر سوليجنتسين) وحركات فكرية وسياسية يعرفها الجميع،ونجد في مقدمة كل هؤلاء الأنبياء والمصلحين قديما وحديثا.
والمقياس هنا أن أصحاب الدعوة يتحرون الصواب ويتمسكون به ويراجعون أنفسهم وأساليبهم ووسائلهم بانتظام للثبات على المنهج الصحيح ومع ذلك تنزل بساحتهم بعض المصائب-وليس بالضرورة القتل والحبس كما سنوضح-لتزيدهم تمسكا بقضيتهم.
المحنة والعقوبة:
ولكن الطامة الكبرى في التغافل عن أن المحنة قد يتسبب فيها صاحب الدعوة نفسه بأخطائه وسلبياته فتخرج عن سنة الابتلاء إلى سنة العقوبة،وكما أن الذي يتعامل مع أسلاك الكهرباء بدون أدوات واقية يصاب بالأذى جراء إهماله فإن الذي يتعامل مع قضايا الدعوة والحركة بدون مؤهلات وبغير علم وبصيرة في جزئية من الجزئيات فضلا عن الأمور الكبرى يصيبه الأذى جراء إهماله ومن عمى البصيرة أن يعتبر ذلك ابتلاء وسنة كونية لا يمكن تفاديها ولا دليل امتياز كما يتصور(المازوشيون)والمسألة إذا ليست محسومة بتلك السهولة والسطحية المدهشة إنما هي مسألة مقاييس ربانية علمية صارمة لا تحابي ولا تتبدل,فإذا توفرت لدى الدعاة المؤمنين سلامة القصد والوسائل المناسبة كانوا أبعد عن الفواجع فإذا ألمت بهم كانت ابتلاء يصبرون عليه لينالوا الجزاءين ,فأما إذا شاب عملهم فساد في النية وعطب في الوسائل ولم ينتبهوا إلى ذلك كان حقا عليهم أن تصيبهم السنة الماضية في شكل مصائب هي هنا عقوبة على الخلل الموجود وليست تزكية كما يظنون، وهذا نبي الله يونس عليه السلام لم تكن محنته ابتلاء وإنما هي عقوبة على خروجه من دار الدعوة بغير إذن إلهي ولذلك وجدناه يتهم نفسه بتنزيهه لله عز وجل (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ولو أن الدعاة فقهوا هذا المعنى لاعتبروا المحن منبهات توقظهم ليحاسبوا أنفسهم وإذن لجنبوا أنفسهم ودعوتهم وأمتهم كثيرا من المصائب التي استنزلوها بغفلاتهم.
هل المحن مقياس الصواب؟
لا يختلف المنصفون في الإجابة بالنفي بل حدث أكثر من ذلك بسبب الأخطاء والأهواء والتهور والمجازفة المجانية وليس من الخير ولا العزة في شيء أن نتمسك بالأوهام أمام الحقائق الناطقة,ولا ننكر مع ذلك أن مالحق ببعض الحركات في فترات معينة كان بالمقاييس الصحيحة ابتلاء إلهيا خرجت منه كالذهب الإبريز,ولكن هذا يكاد يكون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة التي أصبحت مع الأسف هي العقوبة الإلهية على الأخطاء والغرور,فمن يجرؤ على القول بأم ما جري في الجزائر طيلة التسعينات وما جرى في سوريا في بداية الثمانينات دليل على صواب الحركات الإسلامية؟أليس هو بكل وضوح عقابا طبيعيا على مطبات قاتلة؟وإذا بلغ الإسلاميون في ماليزيا وتركيا مثلا غاياتهم دون سجون ولا مواجهة دموية فهل هذا دليل على أنهم على خطأ؟وأكثر من ذلك ماذا نقول عن أنبياء كرام لم يذكر القرآن أن المحن قد صبت عليهم صبا بل ذكرت تمكينهم في الأرض,فهل كانوا إذن مخطئين؟.. وهو حال داود وسليمان بالذات ...إن تظافر النصوص الشرعية والتجارب التاريخية والواقع المعاصر يسمح لنا أن نجزم بأن المحن ليست بالضرورة مقياسا للصواب بل يسمح لنا بالبحث عن بديل عن نظرية المحنة ينسجم مع روح الإسلام ومقاصده ونصوصه ويستفيد من رصيد التجربة المعاشة.
فكر المحنة وفكر العافية:
إن المشكلة لا تتمثل في تعرض أو عدم تعرض أصحاب الدعوات للمحن _فهي قضية محسومة بسنة الابتلاء _ ولكن تتمثل في سيطرة فكر المنحة على العقول والسلوكيات باعتباره الفكر الوحيد المتاح ,وهذا لا يشهد له لا الوحي ولا العقل ولا الواقع,فداود وسليمان عليهما السلام وقبلهما إسحاق و إسماعيل عليهما السلام مثلا نجحوا في رسالتهم بفكر العافية وكذلك الأمر بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يؤصل للمحنة بل أصل للعفو والعافية والسلام والأمن من غير أن ينفي سنة الابتلاء فما المقصود بالابتلاء على وجه التحديد؟هل هو بالضرورة التعذيب والمشانق والمعتقلات؟
إن الابتلاء بالنسبة للدعاة قد يأخذ بعض هذه الأشكال لكن في الغالب يتمثل في طول الطريق واعراض الناس وسخرية الوجهاء وذهاب المال والتضييق بأنواعه لكن التفسير الخاطئ لتاريخنا جعل منه مصدر محن لا تنتهي ومرجعية للصدام والبلايا حتى ذهب البعض إلى اعتبار غياب التصادم مع السلطة واغلاق باب السجون دليلا على غياب العمل الإسلامي ذاته,وهذه (المازوشية) واضحة المعالم في أدبيات فترة المحنة وفي الأناشيد الإسلامية والتأريخ للحركة,وانحرف معنى التضحية ليصبح محصورا في دفع النفوس إلى التصادم من أجل السلطة بيد أن من أفضل التضحية بذل الوقت والجهد والمال في مشاريع البناء الروحي والعلمي والحضاري لكن أفكار المحنة أفكار قاتلة لا تكاد تترك مجالا للعمل المتأني العميق في الميادين السياسية والدعوية والاجتماعية والتربوية وغيرها بل إن التركيز على هذا الفكر يعتبر من أصول التثبيط والتوهين إذ بدل إفساح المجال للشباب للإبداع والعطاء في ظل العافية-مع التعريف بسنة الله العامة في الابتلاء-يحدث تركيز عجيب على الدماء والدموع والمشانق والأخدود وهذا ليس من شأنه تكوين العاملين للاسلام بل هو أدنى إلى تكوين مجموعات(انتحارية)تترقب الضربات بسبب وبغير سبب ولا يهدأ لها بال إلا بالصدام.
إن فكر العافية هو الأصل في العمل الدعوي وهو يهدف إلى إرساء قواعد وآليات الحركة الواعية التي تشغل أي حيز متاح بالعطاء والنشاط وتتجنب التعرض للمحن ما استطاعت الى ذلك سبيلا لأن هذه المحن ليست ضربة لازب بل يمكن-ويجب- تفاديها بتفادي أسبابها من غير أن يعنى ذلك الفرار من الزحف ولا إنكار سنة الابتلاء التي لا مندوحة عنها،إنه فكر يسمح بتكثير الأصدقاء والمتعاطفين والعاملين بدل تكثير الأعداء والخصوم والمتوجسين... فهل يعني هذا أنه إيثار للعافية على حساب الدين؟هذا فهم من حجبتهم أجواء المحنة عن إبصار ساحات المهادنة والتغيير الهادئ والبذل الصامت وغلب عليهم تمني لقاء العدو رغم أننا أمرنا بعكس ذلك،وإنما المطلوب إتباع المنهج الدعوي وتفادي أسباب الفتن،وهذا فيه خير كبير جدا خلافا للتصور السائد،كما أنه يتطلب دوام المراجعة للوقوف على الأخطاء الجالبة للمحن فإذا تجنبنا العقاب على الأخطاء وجاء الأذى فهو في هذه الحالة ابتلاء نصبر عليه،ولن يكون أبدا ماحقا ولا معوقا لأنه جزئي مؤقت تؤدى من خلاله مهمة التمحيص والتنقية،فالواجب يقتضي الانتقال من الدروب المعبدة إلى فكر العافية وعدم مصادمة السنن في عملية التغيير وذلك من شأنه فتح العقول والقلوب والمجالات الشاسعة المتعددة للدعوة والحركة،وإذا كان شيوخ معتمدون يخالفون هذا الطرح فالحجة ليست فيمن قال ولكن فيما قال والأمر عندنا محكوم بنصوص الآيات ومنطوق الأحاديث الصحيحة وليست أبدا إقرارا بالأمر الواقع.
ولا يخفى أن ما سبق يتناول العمل الدعوي المعروف أما الجهاد حين يتوجب فله حديث آخر، والمقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال ونحوها فخر للدعاة وميدان لبذل المهج وإرهاق الدماء من اجل النصر والجنة
Design-sasuke- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 32
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 8432
بلدي :
الْنِّقَاط : 29390
السٌّمعَة : 0
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى