مدخل إلى نظرية الدليل في علم العقيدة
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مدخل إلى نظرية الدليل في علم العقيدة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
د. محمد بن موسى باباعمي
الدليل بين العقيدة وعلم العقيدة
ينبغي أن نفرِّق بين الدليل الغيبي، الذي مصدره الوحي، وهو فوق الشكِّ والظنِّ؛ لأنـَّه يقينيٌّ، لا بعقول المخلوق المحدودة، بل بعلم الخالق المطلق، الذي لا يحدُّه حدٌّ، ولا يعجزه أمرٌ.
والدليل في علم العقيدة، بشريٌّ، قد يعتريه الخطأ، ولا يبرَّر له كون الموضوع يقينيًّا؛ ذلك أنَّ الضعف ليس في ذات المستدلِّ عليه، بل في ذات الدليل، وفي علم المستدِلِّ.
الاستقراء، وعلم العقيدة
فهل الاستقراء في علم العقيدة مبرَّر منطقيًّا، أم أنَّه يلحقه نفس المشكل الذي عُرف في المنطق بـ: مشكلة الاستقراء.
ومن ثمَّ، فهل الانتقال من القضايا الجزئية إلى القضايا الكلية، باستعمال الاستقراء أداة منهجية، يمكن اعتباره دليلا ذا بال، أم أنَّه مجرَّد إيهام، لا يقوم أمام آلة النقد؟
والاستقراء في علم العقيدة قد يطال "النصَّ"، باستقراء الآيات والأحاديث، أو استقراءات وفهوم العلماء للنصوص، ثم الانطلاق من الحكم الجزئيِّ إلى أحكام كلية يصبغها بعد ذلك بصبغة القدسية، والإطلاق، والقطعية...
وبديهي أنَّ الدليل الاستقرائي لا يرقى إلى الصدق المنطقي، من مثل: مبدأ عدم التناقض، وتحصيل الحاصل، ونفي الدور والتسلسل...
معيار التمييز:
من أعقدِ أبواب نظرية المعرفة ما يعرف بمعيار التمييز، ففي العلوم الأمبريقية مثلا، يبحث علماء المناهج عن المعيار الذي يمكِّننا من التمييز بينها وبين الرياضيات والمنطق والأنساق الميتافيزيقية من جهة أخرى.
بل إنَّ هذه المشكلة: "مشكلة التمييز"، التي كانت معلومة لدى "هيوم"، أصبحت في عصر "كانط" المشكلة المركزية لنظرية المعرفة، حتى إنَّ البعض يطلق عليها اسم: "مشكلة كانط"، ويعني بذلك: "مشكلة التمييز".
فهل الخبرة الحسية هي معيار التمييز، كما يعتقد الفلاسفة الوضعيون؟
أم أنَّ الخيرة الذرية ـ الأولية ـ هي معيار التمييز، كما لدى الوضعيين المحدثين؟
ومن المفيد أن نبحث في ماهية العلم، هل هو نسق من التصورات؟ أم هو نسق من القضايا؟
وبالإجابة على هذه الأسئلة نحدد موقفنا من مشكلة التمييز.
ولعلَّ علماء الكلام عندما يحوِّلون موضوعا غيبيا مثل "رؤية الله تعالى"، من مجاله اللامحسوس واللامحدود، إلى مجال الإحساس والحدٍّ المادِّي... قد أغراهم في ذلك اللفظ المسند "رؤية"، ولم يتأمَّلوا في المسند إليه "الله"، فتناولوا الموضوع من وجهة نظر بشرية، وتحدَّثوا عن شروط النظر، من الجهة، والتحيز، واللون... وما إلى ذلك.
إنهم، بفعلهم هذا، لم يراعوا معيار التمييز، فعالجوا موضوعا غيبيا، لا يعالَج إلاَّ بالنصِّ القطعيِّ الصحيح، من الله تعالى، لا بوسائل عقلية منطقية، ولا بآلات مادية حسية... ذلك أنَّ كلاًّ من العقل والحسِّ لا يدركان المطلق، فهما محدودان، قد يخدعهما أدنى تمويه، أو يغويهما أدنى وهم.
أسئلةٌ، بحثا عن قواعد المنهج في علم العقيدة
من الأسئلة التي ينبغي على الباحث في علم العقيدة أن يضبط موقفه منها:
*ما هي قواعد المنهج العلمي، في علم العقيدة؟
*وهل نحن في حاجة إلى صياغتها، ولماذا؟
*هل يمكن صياغة نظرية تحبك تلك القواعد في خيط متصل، بأسلوب منهجيٍّ دقيق؟
إنِّي أفرِّق بوضوح بين مستويين من الاعتقاد:
*الأوَّل: فطريُّ، توحيديٌّ، إيمانيٌّ... وهو في نظري ممَّا يجب التركيز عليه، مثل: "وجود الله تعالى"، و"وحدانيته"، و"عدله"، و"أنَّ الموت حقٌّ"... فهذا المستوى قد ثبت في القرآن الكريم، بآيات لا تدع مجالا للشكِّ، تعرف بالآيات المحكمات، وأدلتها قطعية ثبوتا ودلالة ... فالمفترض أن يجمع المسلمون على صدق هذه الحقائق، وهي بمثابة "البدهيات" في العلوم جميعها، ومن المعلوم منهجيا أنَّ البدهيات لا يستدلُّ عليها، وإلاَّ انتفى العلم كلُّه، ومجرَّد محاولة الاستدلال عليها يخرج الموضوع من علميته، إلى تمحلات لا نهاية لها، ومن مجال الفكر إلى السفسطة...
*أمَّا المستوى الثاني: فمنطقيُّ، عقليٌّ، بشريٌّ، كلاميٌّ... وهو من اختصاص خاصَّة الخاصَّة، وعلى حدِّ تعبير الغزالي من "المضنون به على غير أهله"، فهذا المستوى عولج في التراث بآلة العقل معالجة أفقدته معنى القدسية ودلالة القطع والإطلاق، ولم ينتف منه مدلول العلم، ثم إنَّ مسائله هي نفس مسائل المستوى الأول، لكن بإضافة الكثير من التفاصيل، والتدقيق في العديد الخلافات الكلامية التقليدية أو الجديدة.
ولقد وظفت في هذا المستوى آلات عديدة، منها: المنطق، والفلسفة، والطبيعة... وغيرها، ومعلوم بداهة مدى اختلاف قدرة الناس في استعمال الآلات، حتى في أبسط الصناعات، مثل "النجارة"، و"الحدادة"، أو في أعقدها، مثل "الجراحة"، و"الصناعات النووية"... إلى غيرها مما يختلف باختلاف المدارك، وباختلاف الخبرات...
إذن، فهذا الحكم لا ينفكُّ عن مجال علم العقيدة، والعلماء بتباين مستوياتهم ولا يملكون الحقَّ المطلق، ولا المنهج الأمثل، وهذا هو السبب الرئيس في اختلاف المتكلمين، في قضايا من هذا المستوى، مما أدَّى إلى نشوء المذهبيات الكلامية عبر تاريخ الفكر الإسلامي.
وهذا المستوى غير ملزِم إلزام المستوى الأوَّل، ولا يجوز أن نربط به أحكاماً مثل "التفسيق"، أو "التكفير"، أو "التبديع"... ومن الأمثلة على هذا المستوى معالجة صفات الله تعالى هل هي ذاتية أم هي منفصلة عن الذات، وإشكالية الجبر والاختيار بطرحها الكلامي، ورؤية الباري تعالى بأبعادها التأويلية...
Design-sasuke- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 32
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 8432
بلدي :
الْنِّقَاط : 29399
السٌّمعَة : 0
مواضيع مماثلة
» نظرية الموز
» نظرية الــ 500 ريال
» اخطاء فى العقيدة الاسلامية هام جدا
» ليش تم اقصائي واريد الدليل
» التحذير من السفر إلى بلاد الكفرة وخطره على العقيدة والأخلاق
» نظرية الــ 500 ريال
» اخطاء فى العقيدة الاسلامية هام جدا
» ليش تم اقصائي واريد الدليل
» التحذير من السفر إلى بلاد الكفرة وخطره على العقيدة والأخلاق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى