وحدة المسلمين آراءٌ.. معوّقات وحلول
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وحدة المسلمين آراءٌ.. معوّقات وحلول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الطالبة هاجر حاج أيوب*
جاء الإسلام ليجيب عن كل أسئلة الإنسان، متضمناً كل الخصائص التي تضمن للإنسان التقدم وبناء حضارة إنسانية تستوعب منجزات عصرها وتكون قادرة على التأثير ويبقى الإسلام الناظم الأساسي الوحيد الذي يجمع الأمة فهو الذي وحدها في الماضي وقادر على توحيدها في الحاضر والمستقبل... لكن الواحد منّا لَيَسمع عن مفهوم الوحدة والإتحاد والعمل الجماعي...
ثم يلتفت فيرى واقع العرب عامة والمسلمين خاصة وما آلوا إليه من تشتت فيتساءل عن سبب تفرق المسلمين رغم توحدهم في الدين ولماذا يحقق الغرب مفهوم العمل الجماعي أكثر من المسلمين في وقتنا الحالي رغم أن الله تعالى دعا المسلمين إلى التآلف والتآخي والوحدة وحذرهم من الفرقة والاختلاف في القرآن الكريم الذي هو النص الإلهي المنزل على هذه الأمة وهو الذي شكّل عامل الوحدة الأول منذ زمن الرسول" صلى الله عليه وسلم" فهو أصل هذه الأمة وهي مُجْمِعَةٌ -على اختلاف المذاهب فيها- على صدقه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه: (إِنّ هَذِهِ أمّتكُم أمَّة واحِدةً وأنا ربُّكم فاعبدون)[1] (وأطيعوا الله ورَسُولَه ولا تَنَازعوا فَتَفشَلوا وتَذهب رِيحُكم وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[2]
"إن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة... فكل جماعة لا تؤلف بينها آصرة المودة والتآخي الحقيقية لا يمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة والجماعة فلا يمكن أن تتآلف دولة.."[3] وواقع المسلمين يتحدث بغير هذا "إن الوحدة الإسلامية نائمة لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ"[4]، "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير، يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين ليبقوا بلا قوة ولا تأثير"[5] فما الحل الذي يمكن أن يأخذ بيد الأمة الإسلامية إلى ظلال الوحدة ويوقظها من نومتها؟؟؟.. ولكي نُقدم حلاً واقعياً معقولاً وقابلاً للتطبيق لا بد لنا من أن نستعرض كافة الحلول والسُبل المتصورة لتحقيق الوحدة الإسلامية -والتي يمكن أن تصادف الباحث في الموضوع- ثم نسقطها على الواقع ومن ثم نحتكم إلى القرآن حتى نتمكن من اختيار الحل المعقول -في رأيي-... وقد يستنير القارئ برأي متواضع أضعه بين يدي هذا المقال وقد لا يوافقني -و هو محق في ذلك- فيما ذهبت إليه ويكفيني عندئذ أن أكون السبب في استثارة حاسة النقد عنده، والجرأة على تمحيص الرأي ومناقشته وهو ما نرمي إليه من خلال هذه المواضيع...
الحل الأوّل: إجبار المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم وفرقهم على اختيار مذهب واحد في الشريعة وترك ما هم عليه الآن من المذاهب المختلفة ورغم النجاح النسبي الذي حققه هذا الأسلوب العنيف والقمعي في جعل مذهب السلطان مذهب الأكثرية من خلال إجبار الجموع الغفيرة على الدخول في مذهب السلطان بمنطق القوة لا بقوة المنطق إلا أنه يتنافى مع روح الدين الإسلامي وجوهر الرسالة المحمدية الغراء خاصة وأن العقيدة لا تحصل بالإكراه والإجبار بل بالحرية والاختيار!!! ثم إنه ورغم كل ذلك فلقد أثبت التاريخ فشل هذا الحل -إن صحَّ تسميته حلاً-، مضافاً إلى مخالفته الواضحة للقرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ َيكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم)[6]
الحل الثاني الخلافة والخليفة: ينظر جمهور المسلمين للخلافة على أنها جسدت تاريخياً وحدة الأمة الإسلامية، فالخليفة هو رمز وحدة الأمة وهو ولي أمرها، تجب طاعته أياً كانت الطريقة التي وصل بها إلى هذا المنصب لذلك وضع بعض المسلمين نصب أعينهم عودة الخلافة وإعادة منصب الخليفة في الأمة. ومع تسليمنا بأن الخليفة هو رمز وحدة الأمة وتوحدها، وقد ثبت ذلك خلال الصدر الأول على أيام الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حيث جسد كل خليفة منهم وحدة الأمة إلا أن الأمر أخذ بعد الراشدين منحى آخر حيث لم يعد الخليفة رمزاً للوحدة وإن بقيت الخلافة رمزاً لها، فقد كان خصوم الخلفاء ينازعون الخلفاء في حقهم في الخلافة وفي شرعية ولايتهم؛ لذلك ومن المنظور التاريخي فإن منصب الخليفة صار يجسد وحدة السلطة وليس وحدة الأمة. وبما أن السلطة مثار نزاع وخلاف فقد انعكس أثر ذلك على واقع الأمة وأصبحت الخلافة هدفاً للثورات والعصيان، وكانت القوة هي الحكم، وحد السيف هو الفيصل... إن هذا الحل يحتاج إلى تأسيس يستفاد فيه من أخطاء الماضي وثغراته بحيث تتحول الخلافة إلى مؤسسة تقوم على قواعد واضحة أهمها الشورى الملزمة فلا يكون الخليفة مطلق الصلاحية وإنما يقيد بمجلس من أهل الاختصاص. وأن لا تكون الخلافة مدى الحياة وإنما يخضع الخليفة للحساب من قبل الأمة ولكنه يبقى حلا غير واقعي بتاتا فمن سيكون الخليفة وإلى أي مذهب سينتمي هذا الأخير؟؟؟.
الحلّ الثالث: هو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بـ"إسلام بلا مذاهب"، أي نبذ المذاهب كلها إلى جانب والالتفاف حول الإسلام بعيداً عن المذاهب وهو حل نظري أكثر من كونه حلاً عملياً حيث إن الكلام هو عن الإسلام الواقعي الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أين هو؟ وأي مذهبٍ من المذاهب يمثله؟ ومن هي الفرقة الناجية؟ وذلك لأن كل طائفة وفرقة تعتقد بصحة مذهبها، وتعتقد بأن مذهبها يمثِّل الإسلام الصحيح الذي نزل به القرآن الكريم وجاء به الرسول المصطفى فأي مذهب من المذاهب أُخذ به بقي الخلاف على حاله، وسوف لن يقبل به أصحاب المذاهب الأخرى... ومن هنا نعرج إلى الحديث عن المذاهب الإسلامية ومدى تأثيرها على الوحدة ....
نشأت المذاهب بسبب اختلاف الفهم الناتج عن التدبر في الكتاب والسنة الذي أدى أحياناً إلى اختلاف النظرة إلى الوقائع الطارئة على المسلمين بعد رسول الله وكيفية التعاطي معها. لذلك لم تكن المذاهب كلها في الأصل فقهية المنشأ بل نشأ بعضها لأسباب سياسية ثم تطورت بعد ذلك لتشمل الجانب الفقهي. كما أن المذاهب التي نشأت فقهية صِرفةً أخذت فيما بعد طابعاً سياسياً بسبب موقفها من الحكّام أو موقف الحكام منها. ولا يخفى أن المذاهب كانت كثيرة بعدد الفقهاء، ولكن اندثر أكثرها وبقي القليل منها لأسباب وعوامل سياسية أو جغرافية أو اجتماعية، أو لأسباب أخرى... كذلك تأثرت هذه المذاهب بالمدارس الكلامية المختلفة مما جعلها تصل إلى مرحلة أفتى فيها البعض بحرمة الزواج بين أتباع المذهبين المختلفين، أو أن حكم المخالفة في المذهب على أقل تقدير هو حكم الكتابية!! وأدى القول بإغلاق باب الاجتهاد عند البعض إلى جمود في الفقه والفكر، مما أعطى آراء السابقين قدسية ليست لها في الأصل وأدى إلى ازدراء أقوال المعاصرين والاستخفاف بها إذا لم تكن موافقة لآراء السابقين... ولكن هل يفهم من هذا أن المذاهب هي سبب تفرق المسلمين وأنه إذا ألغيت المذاهب تتحقق وحدة المسلمين؟ الجواب بالتأكيد كلا، فالمذاهب في الأصل أمر طبيعي إذ إنها تمثل فهم الرجال للتشريع المخاطبين به والمطالبين بفهمه ولا يمكن للأمة أن تكون على فهم واحد لتشريع كالتشريع الإسلامي نظراً للمرونة الهائلة التي يتمتع بها هذا التشريع.. ومن هنا يطرح السؤال كيف نختلف في ظل الوحدة وكيف نتوحد في ظل التنوع والاختلاف؟ للإجابة عن هذا السؤال الكبير لابد من إلقاء نظرة سريعة على الاختلاف المذموم الذي وقع بين أهل الكتاب من قبلنا قال تعالى (ذَلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وأن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد.)[7] و الخلاف هنا يتعلق بأصل الدين وجوهره أي الألوهية والنبوة (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم )[8]...
ويتحدد التعامل مع الاختلاف والتنازع برد ذلك إلى القرآن والسنة ولذلك فإن الآيات لا يوجد فيها إلغاء الاختلاف بل إلى التعامل معه (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )[9]
فيعتقد كثيرون أن الاختلاف أمر سلبي يتنافى ووحدة الأمة ولا يقتصر هذا الرأي عند هذا الحد بل يتعداه ليصل إلى اتهام الآخرين بتفتيت الوحدة لأنهم لا يوافقونهم الرأي وهذا الرأي غير مقدس بطبيعة الحال مما يجر ويلات تدفع باتجاه تكريس تفتت الأمة لا وحدتها والتعصب المقيت لا التسامح القرآني الذي يريده الله تعالى كمبدأ يسود بين المسلمين وهذا يتنافى مع التنوع الذي أراد ترسيخه الإسلام كإطار جامع للوحدة فالتنوع والتعددية في إطار الوحدة العامة يمثلان إثراء للفكر والتفكير والحياة العامة... ولهذا الاختلاف دعائم أساسية لابد من معرفتها تتلخص بـ:
1- عقيدة التوحيد: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ...)
2- ثبوت القرآن وعصمته: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
3- إن رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات وهو آخر الرسل:( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ).
ومن هنا فإن المشكلة ليست في الاختلاف نفسه، ولكن تكمن المشكلة في عدم معرفة كيفية إدارة هذا الاختلاف والتنوع ضمن إطار الوحدة المنشودة، وهذا يخالف أحوال السلف من قبلنا الذين ضربوا أروع الأمثلة في عدم التعصب المقيت المؤدي إلى تفتت الأمة فقد لقي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً فسأله من أين جئت؟ فقال الرجل جئت من عند علي وقد قضى بيننا بكذا في خصومة هي كذا، فقال لو كنت أنا الذي يقضي فيها لقضيت فيها بخلاف هذا القضاء، فقال الرجل لعمر: وما يمنعك وأنت أمير المؤمنين؟ قال عمر: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو سنة رسوله لفعلت، ولكني أردك إلى رأيي، والرأي مشترك وهذا يعني أن الأفهام قد تختلف في استنباط الأحكام من النصوص؛ لأن النص قد يكون ظني الدلالة، يحتمل وجوهاً متعددة، لا يقطع بواحد منها، وهذا بدوره يبرر وجود المدارس الفقهية... لكن الجميع في الأول والأخير كما يقول الشاعر: فكلهم من رسول الله ملتمس غَرْفاً من البحر أو رشفاً من الديم....وما نتناوله في هذا الموضوع إنما هو مثال عن التفكك لكن في مجال الدين وقِسْ عليه أيها القارئ كل المجالات الأخرى بما فيه ما ذكرنا سابقا من عدم تحقيق مبدأ العمل الجماعي... ففهم ثقافة الاختلاف وتطبيقها على أنها اختلاف لا خلاف هو في نظري الحل الأكثر واقعية وشمولا لمشكلة تفكك المسلمين لأن غيابه هو سبب تنازع وتفكك المسلمين اليوم ولا يَسَعُني في الأخير إلا أن أقول: إن الوحدة لا تعني أن تصبح الأمة رجلاً واحداً، إنما تعني أن تصبح الأمة على قلب رجل واحد... ومع ذلك فالقضية مطروحة للحوار والمناقشة...
* طالبة في السنة الثالثة ثانوي
[1]سورة الأنبياء الآية 92
[2]سورة الأنفال الآية 46
[3]الدكتور رمضان سعيد البوطي
[4]أرنولد توينبي
[5]المبَشَّر لورنس براون
[6]سورة البقرة الآية 256
[7]سورة البقرة الآية 176
[8]سورة مريم الآية33إلى الآية37
[9] سورة النساء الآية 59
جاء الإسلام ليجيب عن كل أسئلة الإنسان، متضمناً كل الخصائص التي تضمن للإنسان التقدم وبناء حضارة إنسانية تستوعب منجزات عصرها وتكون قادرة على التأثير ويبقى الإسلام الناظم الأساسي الوحيد الذي يجمع الأمة فهو الذي وحدها في الماضي وقادر على توحيدها في الحاضر والمستقبل... لكن الواحد منّا لَيَسمع عن مفهوم الوحدة والإتحاد والعمل الجماعي...
ثم يلتفت فيرى واقع العرب عامة والمسلمين خاصة وما آلوا إليه من تشتت فيتساءل عن سبب تفرق المسلمين رغم توحدهم في الدين ولماذا يحقق الغرب مفهوم العمل الجماعي أكثر من المسلمين في وقتنا الحالي رغم أن الله تعالى دعا المسلمين إلى التآلف والتآخي والوحدة وحذرهم من الفرقة والاختلاف في القرآن الكريم الذي هو النص الإلهي المنزل على هذه الأمة وهو الذي شكّل عامل الوحدة الأول منذ زمن الرسول" صلى الله عليه وسلم" فهو أصل هذه الأمة وهي مُجْمِعَةٌ -على اختلاف المذاهب فيها- على صدقه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه: (إِنّ هَذِهِ أمّتكُم أمَّة واحِدةً وأنا ربُّكم فاعبدون)[1] (وأطيعوا الله ورَسُولَه ولا تَنَازعوا فَتَفشَلوا وتَذهب رِيحُكم وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[2]
"إن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة... فكل جماعة لا تؤلف بينها آصرة المودة والتآخي الحقيقية لا يمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة والجماعة فلا يمكن أن تتآلف دولة.."[3] وواقع المسلمين يتحدث بغير هذا "إن الوحدة الإسلامية نائمة لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ"[4]، "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطراً أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير، يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين ليبقوا بلا قوة ولا تأثير"[5] فما الحل الذي يمكن أن يأخذ بيد الأمة الإسلامية إلى ظلال الوحدة ويوقظها من نومتها؟؟؟.. ولكي نُقدم حلاً واقعياً معقولاً وقابلاً للتطبيق لا بد لنا من أن نستعرض كافة الحلول والسُبل المتصورة لتحقيق الوحدة الإسلامية -والتي يمكن أن تصادف الباحث في الموضوع- ثم نسقطها على الواقع ومن ثم نحتكم إلى القرآن حتى نتمكن من اختيار الحل المعقول -في رأيي-... وقد يستنير القارئ برأي متواضع أضعه بين يدي هذا المقال وقد لا يوافقني -و هو محق في ذلك- فيما ذهبت إليه ويكفيني عندئذ أن أكون السبب في استثارة حاسة النقد عنده، والجرأة على تمحيص الرأي ومناقشته وهو ما نرمي إليه من خلال هذه المواضيع...
الحل الأوّل: إجبار المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم وفرقهم على اختيار مذهب واحد في الشريعة وترك ما هم عليه الآن من المذاهب المختلفة ورغم النجاح النسبي الذي حققه هذا الأسلوب العنيف والقمعي في جعل مذهب السلطان مذهب الأكثرية من خلال إجبار الجموع الغفيرة على الدخول في مذهب السلطان بمنطق القوة لا بقوة المنطق إلا أنه يتنافى مع روح الدين الإسلامي وجوهر الرسالة المحمدية الغراء خاصة وأن العقيدة لا تحصل بالإكراه والإجبار بل بالحرية والاختيار!!! ثم إنه ورغم كل ذلك فلقد أثبت التاريخ فشل هذا الحل -إن صحَّ تسميته حلاً-، مضافاً إلى مخالفته الواضحة للقرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ َيكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم)[6]
الحل الثاني الخلافة والخليفة: ينظر جمهور المسلمين للخلافة على أنها جسدت تاريخياً وحدة الأمة الإسلامية، فالخليفة هو رمز وحدة الأمة وهو ولي أمرها، تجب طاعته أياً كانت الطريقة التي وصل بها إلى هذا المنصب لذلك وضع بعض المسلمين نصب أعينهم عودة الخلافة وإعادة منصب الخليفة في الأمة. ومع تسليمنا بأن الخليفة هو رمز وحدة الأمة وتوحدها، وقد ثبت ذلك خلال الصدر الأول على أيام الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حيث جسد كل خليفة منهم وحدة الأمة إلا أن الأمر أخذ بعد الراشدين منحى آخر حيث لم يعد الخليفة رمزاً للوحدة وإن بقيت الخلافة رمزاً لها، فقد كان خصوم الخلفاء ينازعون الخلفاء في حقهم في الخلافة وفي شرعية ولايتهم؛ لذلك ومن المنظور التاريخي فإن منصب الخليفة صار يجسد وحدة السلطة وليس وحدة الأمة. وبما أن السلطة مثار نزاع وخلاف فقد انعكس أثر ذلك على واقع الأمة وأصبحت الخلافة هدفاً للثورات والعصيان، وكانت القوة هي الحكم، وحد السيف هو الفيصل... إن هذا الحل يحتاج إلى تأسيس يستفاد فيه من أخطاء الماضي وثغراته بحيث تتحول الخلافة إلى مؤسسة تقوم على قواعد واضحة أهمها الشورى الملزمة فلا يكون الخليفة مطلق الصلاحية وإنما يقيد بمجلس من أهل الاختصاص. وأن لا تكون الخلافة مدى الحياة وإنما يخضع الخليفة للحساب من قبل الأمة ولكنه يبقى حلا غير واقعي بتاتا فمن سيكون الخليفة وإلى أي مذهب سينتمي هذا الأخير؟؟؟.
الحلّ الثالث: هو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بـ"إسلام بلا مذاهب"، أي نبذ المذاهب كلها إلى جانب والالتفاف حول الإسلام بعيداً عن المذاهب وهو حل نظري أكثر من كونه حلاً عملياً حيث إن الكلام هو عن الإسلام الواقعي الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أين هو؟ وأي مذهبٍ من المذاهب يمثله؟ ومن هي الفرقة الناجية؟ وذلك لأن كل طائفة وفرقة تعتقد بصحة مذهبها، وتعتقد بأن مذهبها يمثِّل الإسلام الصحيح الذي نزل به القرآن الكريم وجاء به الرسول المصطفى فأي مذهب من المذاهب أُخذ به بقي الخلاف على حاله، وسوف لن يقبل به أصحاب المذاهب الأخرى... ومن هنا نعرج إلى الحديث عن المذاهب الإسلامية ومدى تأثيرها على الوحدة ....
نشأت المذاهب بسبب اختلاف الفهم الناتج عن التدبر في الكتاب والسنة الذي أدى أحياناً إلى اختلاف النظرة إلى الوقائع الطارئة على المسلمين بعد رسول الله وكيفية التعاطي معها. لذلك لم تكن المذاهب كلها في الأصل فقهية المنشأ بل نشأ بعضها لأسباب سياسية ثم تطورت بعد ذلك لتشمل الجانب الفقهي. كما أن المذاهب التي نشأت فقهية صِرفةً أخذت فيما بعد طابعاً سياسياً بسبب موقفها من الحكّام أو موقف الحكام منها. ولا يخفى أن المذاهب كانت كثيرة بعدد الفقهاء، ولكن اندثر أكثرها وبقي القليل منها لأسباب وعوامل سياسية أو جغرافية أو اجتماعية، أو لأسباب أخرى... كذلك تأثرت هذه المذاهب بالمدارس الكلامية المختلفة مما جعلها تصل إلى مرحلة أفتى فيها البعض بحرمة الزواج بين أتباع المذهبين المختلفين، أو أن حكم المخالفة في المذهب على أقل تقدير هو حكم الكتابية!! وأدى القول بإغلاق باب الاجتهاد عند البعض إلى جمود في الفقه والفكر، مما أعطى آراء السابقين قدسية ليست لها في الأصل وأدى إلى ازدراء أقوال المعاصرين والاستخفاف بها إذا لم تكن موافقة لآراء السابقين... ولكن هل يفهم من هذا أن المذاهب هي سبب تفرق المسلمين وأنه إذا ألغيت المذاهب تتحقق وحدة المسلمين؟ الجواب بالتأكيد كلا، فالمذاهب في الأصل أمر طبيعي إذ إنها تمثل فهم الرجال للتشريع المخاطبين به والمطالبين بفهمه ولا يمكن للأمة أن تكون على فهم واحد لتشريع كالتشريع الإسلامي نظراً للمرونة الهائلة التي يتمتع بها هذا التشريع.. ومن هنا يطرح السؤال كيف نختلف في ظل الوحدة وكيف نتوحد في ظل التنوع والاختلاف؟ للإجابة عن هذا السؤال الكبير لابد من إلقاء نظرة سريعة على الاختلاف المذموم الذي وقع بين أهل الكتاب من قبلنا قال تعالى (ذَلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وأن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد.)[7] و الخلاف هنا يتعلق بأصل الدين وجوهره أي الألوهية والنبوة (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم )[8]...
ويتحدد التعامل مع الاختلاف والتنازع برد ذلك إلى القرآن والسنة ولذلك فإن الآيات لا يوجد فيها إلغاء الاختلاف بل إلى التعامل معه (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )[9]
فيعتقد كثيرون أن الاختلاف أمر سلبي يتنافى ووحدة الأمة ولا يقتصر هذا الرأي عند هذا الحد بل يتعداه ليصل إلى اتهام الآخرين بتفتيت الوحدة لأنهم لا يوافقونهم الرأي وهذا الرأي غير مقدس بطبيعة الحال مما يجر ويلات تدفع باتجاه تكريس تفتت الأمة لا وحدتها والتعصب المقيت لا التسامح القرآني الذي يريده الله تعالى كمبدأ يسود بين المسلمين وهذا يتنافى مع التنوع الذي أراد ترسيخه الإسلام كإطار جامع للوحدة فالتنوع والتعددية في إطار الوحدة العامة يمثلان إثراء للفكر والتفكير والحياة العامة... ولهذا الاختلاف دعائم أساسية لابد من معرفتها تتلخص بـ:
1- عقيدة التوحيد: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ...)
2- ثبوت القرآن وعصمته: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
3- إن رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات وهو آخر الرسل:( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ).
ومن هنا فإن المشكلة ليست في الاختلاف نفسه، ولكن تكمن المشكلة في عدم معرفة كيفية إدارة هذا الاختلاف والتنوع ضمن إطار الوحدة المنشودة، وهذا يخالف أحوال السلف من قبلنا الذين ضربوا أروع الأمثلة في عدم التعصب المقيت المؤدي إلى تفتت الأمة فقد لقي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً فسأله من أين جئت؟ فقال الرجل جئت من عند علي وقد قضى بيننا بكذا في خصومة هي كذا، فقال لو كنت أنا الذي يقضي فيها لقضيت فيها بخلاف هذا القضاء، فقال الرجل لعمر: وما يمنعك وأنت أمير المؤمنين؟ قال عمر: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو سنة رسوله لفعلت، ولكني أردك إلى رأيي، والرأي مشترك وهذا يعني أن الأفهام قد تختلف في استنباط الأحكام من النصوص؛ لأن النص قد يكون ظني الدلالة، يحتمل وجوهاً متعددة، لا يقطع بواحد منها، وهذا بدوره يبرر وجود المدارس الفقهية... لكن الجميع في الأول والأخير كما يقول الشاعر: فكلهم من رسول الله ملتمس غَرْفاً من البحر أو رشفاً من الديم....وما نتناوله في هذا الموضوع إنما هو مثال عن التفكك لكن في مجال الدين وقِسْ عليه أيها القارئ كل المجالات الأخرى بما فيه ما ذكرنا سابقا من عدم تحقيق مبدأ العمل الجماعي... ففهم ثقافة الاختلاف وتطبيقها على أنها اختلاف لا خلاف هو في نظري الحل الأكثر واقعية وشمولا لمشكلة تفكك المسلمين لأن غيابه هو سبب تنازع وتفكك المسلمين اليوم ولا يَسَعُني في الأخير إلا أن أقول: إن الوحدة لا تعني أن تصبح الأمة رجلاً واحداً، إنما تعني أن تصبح الأمة على قلب رجل واحد... ومع ذلك فالقضية مطروحة للحوار والمناقشة...
* طالبة في السنة الثالثة ثانوي
[1]سورة الأنبياء الآية 92
[2]سورة الأنفال الآية 46
[3]الدكتور رمضان سعيد البوطي
[4]أرنولد توينبي
[5]المبَشَّر لورنس براون
[6]سورة البقرة الآية 256
[7]سورة البقرة الآية 176
[8]سورة مريم الآية33إلى الآية37
[9] سورة النساء الآية 59
رد: وحدة المسلمين آراءٌ.. معوّقات وحلول
بيض الله وجهك
وماتقصر
وشكرا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عالموضوع المميز الف شكر لكـ‘
.. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وماتقصر
وشكرا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عالموضوع المميز الف شكر لكـ‘
.. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
Design-sasuke- ღ عضو ღ v I p
- الْعُمْر : 32
الجنس :
الْمَشِارَكِات : 8432
بلدي :
الْنِّقَاط : 29435
السٌّمعَة : 0
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى