شركة اوريجينال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحجاب بين الدين والمجتمع

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

الحجاب بين الدين والمجتمع Empty الحجاب بين الدين والمجتمع

مُساهمة من طرف aziza10 الأحد فبراير 21, 2010 7:07 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]د. عبد الوهاب المسيري
لابد أن أبدأ هذا المقال بتأكيد أهمية الحوار بين أبناء الوطن الواحد وإلا سقطنا كلنا فى صراع يستنزف قوانا. ومن هنا الإصرار على التغيير والإصلاح الدستورى وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب وإلغاء الأحكام العرفية حتى يمكن لكل ألوان الطيف السياسى أن تعبر عن الإرادة الشعبية دون خوف من البطش الأمنى ومن خلال حوار ديموقراطى سلمي.

ولكن هذه الحرية، شأنها شأن أى شكل آخر من أشكال الحرية، ليست مطلقة، إذ أن أى تيار أو تنظيم سياسى يريد أن يشارك فى العملية السياسية الديموقراطية عليه أن يلتزم بقواعد اللعبة، وبتداول السلطة، ولا يحاول أن يجلس على العرش مدى الحياة وكأنه امبراطور الصين العظيم. ولذا من الضرورى أن تُسن القوانين وتوضع الضوابط والآليات التى تضمن التزام الجميع بهذه القواعد.

كما أود أن أؤكد احترامى للسيد الوزير فاروق حسنى، فأنا معجب به عن بعد، فلم ألتق به سوى بضعة لقاءات قليلة قصيرة عابرة فى مناسبات رسمية. فأنا أعرف الجهود التى تبذلها وزارته فى عملية ترميم الآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية وبناء المتاحف وحماية الآثار الفرعونية من السرقة.

بعد كل هذه المقدمات أحب أن أتوجه إلى تصريحات السيد الوزير بخصوص الحجاب، وأنا مثله ومثل الكثيرين من أبناء جيلى، لا أعرف الكثير عن الرأى الفقهى فى مسالة الحجاب. وحين أقول "الرأى الفقهى"، فأنا لا أتحدث عن "احتكار السلطة والتشريع" كما قد يظن البعض. فأنا كمتخصص فى النقد الأدبى، أدرك تماماً ضرورة أن يكون الناقد على إلمام بقواعد النقد ولغته وتراثه ونظرياته وآلياته حتى يكون مؤهلاً لأن يقدم رؤية مركبة مستندة إلى قراءة متفحصة للنص الذى يدرسه، وإلا كان نقده عبارة عن انطباعات متناثرة ذاتية. وأزعم أننى متابع جيد للحركة الفنية التشكيلية، ومعجب بأعمال كثير من الفنانين، ولكننى حينما يسألنى أحد الصحفيين عن رأيى فى هذا الفنان أو ذاك، فإنى أنبهه أننى لست متخصصاً، وأن ما أقوله هو رأى انطباعى لأننى غير مؤهل لإصدار حكم نقدى مركب. بعد كل هذه التحفظات أدلى برأيى باعتبارى أحد المهتمين الهواة وحسب. وهذه ليست دعوة لاحتكار السلطة النقدية وإنما توضيح لحدود أحكامى التى أصدرها فى هذا المجال.

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للنقد الأدبى والنقد الفنى، فلابد وأن نطبق نفس القواعد على أمر فى أهمية الشئون الدينية، أليس كذلك؟! لكل هذا سألت أحد أصدقائى عن الرأى الفقهى فى قضية الحجاب، وصديقى هذا ليس من رجال الدين ولكنه يعرف هذه الأمور أكثر منى فقال: "الحديث النبوي الأكثر شيوعاً حول شكل الحجاب وحدوده هو حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) للسيدة أسماء بنت أبي أبكر الصديق رضي الله عنهما، وهو بالمعنى: إذا بلغت المرأة المحيض، فلا ينبغي أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار عليه الصلاة والسلام إلى الوجه والكفين. هذه الرواية أو الحديث فيه ضعف من حيث أنه "منقطع"، أي أن الصحابي الذي روى عن السيدة أسماء مجهول.

ثم استطرد صديقى قائلاً: "بيد أن التوصيف العام لما ينبغي أن يُستر من المرأة – في رواية أسماء- متفق بشكل عام مع التوجيهات والأوامر القرآنية حول الموضوع. ومنها الآية التالية: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" (سورة النور: 31). والجيوب هي الفتحات، فتحات العنق والصدر، والإبطين، والساقين. والخمر جمع خمار هي أغطية الرأس والصدر.

ومن الآيات الأخرى آية "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ..." (الأحزاب: 33)، وآية "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" (الأحزاب: 59). والجلابيب، كما نعرف، هي القمصان الطويلة المسدلة إلى القدمين.

وقد استنتج صديقي من كل هذا ما يلى: "هذه الآيات مجتمعة تحدد الإطار العام للستر المنافي لتبرج الجاهلية والمانع للإثارة والاستفزاز الذي يختزل إنسانية المرأة وعقلها وشخصيتها ويلغي دورها الاجتماعي والإنساني إلى مجرد مصدر للاستفزاز الغرائزي". ويجب أن أشير إلى أن هناك من المدافعين عن الحجاب من يرى أنه بالفعل فرض ولكنه جزء من كل، وأنه فى إطار فقه الأولويات لا يعد أولوية كبرى، فهناك أولويات إسلامية أخرى مثل إقامة العدل فى الأرض والحرب ضد الفساد ومقاومة المستعمر..إلخ. وكما قال فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين: "الجميع يعلم أن الحجاب فريضة إسلامية، ومع هذا فالقضية أخذت أكثر مما تستحق. فمصر تعانى من مشاكل وأزمات أكبر وأخطر ألف مرة من الحجاب مثل الاستبداد والفقر والبطالة والفساد والتدهور الخطير فى التعليم والصحة."

وحيث أن الوزير فاروق حسنى ليس من المتفقهين فى أمور الدين مثلي، فأنا أصدقه تماماً حين قال إنه لم يكن يصدر حكماً دينياً. إذن، كيف يمكن تصنيف تصريحه أو دردشته (على حد قوله)؟ أعتقد أننى لن أجانب الصواب كثيراً حين أقول إنه كان يصدر حكماً ثقافياً حضارياً، فالتخلف مقولة اجتماعية حضارية، والجاهلية والردة تماماً مثل النهضة والاستنارة هى مصطلحات ذات مضمون ثقافى وحضارى غير دينى فى الخطاب التحليلى المصرى المعاصر. ولذا فلنتناول الموضوع من هذا المنظور!

إن من يصفون الحجاب بأنه مظهر من مظاهر التخلف يزنون كلماتهم، ووزير الثقافة واحد منهم. وحيث أنه يحاول أن يدفع هذا البلد فى طريق التقدم، فإنه بلا شك يعرف مؤشرات التقدم، ومن ثم يعرف أيضاً مؤشرات التخلف، وقد جعل الحجاب إحداها!

ولنحاول أن نحلل خطاب السيد الوزير وكل من يحذو حذوه.. إنهم يتحدثون عن حرية التعبير والإبداع، باعتبارهما مطلق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهذه صيحة يطلقونها فى وجه كل من يتجرأ ويحتج على رأي ما. قد لا يعرف الكثيرون أن إحدى اهتماماتي هو تطور الأزياء، وبالذات أزياء النساء، إذ أحاول رصد تطورها كتعبير عن تطور الرؤية للإنسان فى الغرب. وقد لاحظت أن ملابس النساء تزداد فى الغرب انكماشاً يوماً بعد يوم من الميني سكيرت إلى المايكرو إلى البلوزة التى تكشف البطن demi-ventre إلى أن وصلنا إلى ما سماه أحد الصحفيين (the well-undressed woman) أى المرأة قليلة الهندام، فى مقابل المرأة حسنة الهندام (the well-dressed woman). (ولعل أحسن ترجمة لهذه العبارة، هو عبارة عادل إمام الشهيرة "لابسة من غير هدوم"). وحين أخبرت أحد مصممي الأزياء عن اعتراضى على الأزياء التى لا علاقة لها بأى دين أو ثقافة أو ذوق، قال إن هذه أعمال فنية، وأن اعتراضي هذا يعد شكلاً من أشكال الرقابة على حرية الفكر والإبداع، هذا المطلق العلماني الجديد. وهنا سألته: أليس من حق المجتمع أن يدافع عن نفسه ضد أي اتجاهات تفكيكية عدمية؟ وقد صُدم صاحبنا من هذا الطرح الذى لم يطرأ له على بال، لأنه لا يدرك (شأنه شأن المثقفين الذين يدافعون عن الحرية المطلقة للإبداع) أنها رؤية بورجوازية تجعل من الفرد مرجعية ذاته (تماماً مثل رأس المال الذي يتحرك فى السوق بكامل حريته لا يخضع إلا لقوانين مادية آلية غير إنسانية غير اجتماعية هي قوانين العرض والطلب والربح والخسارة). ولكن المجتمع ليس هو السوق، فالمجتمع كيان مركب متماسك يتسم بقدر من الوعي، وله أسبقيته على الفرد مهما بلغت درجة إبداع هذا الفرد، فالفرد ينتمي إلى المجتمع وليس المجتمع هو الذي ينتمي إلى الفرد، إلا إذا كان مجتمعاً شمولياً. إن بعض المثقفين الثوريين انساقوا وراء هذه الدعوة للحرية المطلقة للإبداع والمبدعين، دون أن يدركوا تضميناتها الفلسفية المعادية للإنسان وللمجتمع. عندئذ لزم مصصم الأزياء الصمت، خاصة وأنه كان يعرف أن خمسة من كبار مصممي الأزياء ماتوا منذ عدة أعوام، من مرض الإيدز، وكانوا جميعهم من الشذاذ جنسياً، فسارعت مصانع الأزياء بالتعمية على الخبر حتى لا تتأثر أرباحهم سلباً، أي أنهم أدركوا البعد غير الاجتماعي غير الأخلاقي غير الإنساني لإبداع مصممي الأزياء، باعتباره إبداعاً لا ينتمي إلى المجتمع.

وهؤلاء الذين يدافعون عن حرية التعبير والذين جعلوا الفن مطلقاً، سحبوا الإطلاق من الدين وأي قيم مطلقة (أخلاقية كانت أم إنسانية) وجعلوا من الدين شأناً خاصاً، وأمر من أمور الضمير، وتصوروا أن الدين يوجد فى قسم خاص فى وجدان الإنسان منفصل تماماً عن عالم السياسة وعالم الاقتصاد وعالم الاجتماع الإنسانى، (وكأن الضمير الفردى لا علاقة له برقعة الحياة العامة). ولذا حين يتم تناول ظاهرة ما فهي إما أن تكون ظاهرة دينية أو غير دينية، انطلاقاً من تعريف العلمانية أنها فصل الدين عن الدولة (أي الدنيا ومجمل حياة الإنسان). ولكن هذا رؤية سوقية للعالم وللنفس البشرية، فالإنسان كائن مركب، وكذا الفعل الإنساني. فالديني يتداخل مع السياسي والاقتصادي والنفسي. وهنا يمكن أن نطرح السؤال التالى: الفدائى الفلسطينى الذى يذهب ليهاجم مستوطنة فلسطينية: هل يفعل ذلك لأسباب دينية أم أسباب اقتصادية أم أسباب اجتماعية أم نفسية؟ الرد السليم على هذا السؤال أن دوافعه مركبة، فهو حين يقوم بفعله الفدائى فإن ما يحركه هو كل هذه الدوافع مجتمعة. ويرى هؤلاء الذين يفصلون الدين عن بقية مجالات الحياة أنه لو ظهر فى الحياة العامة فإن هذا مظهر من مظاهر التخلف، وفى ذهنهم بطبيعة الحال المشروع العلمانى الغربى وما يسمى مشروع النهضة العربى الذى جعل شعاره اللحاق بأوروبا، بحلوها ومرها، وخيرها وشرها، وكأننا ببغاءات عقلها فى أذنيها. ومن هنا كان الاقتراح المشئوم الخاص بالاحتفال بالذكرى المئوية الثانية للحملة الفرنسية على مصر وغزو قوات الثورة الفرنسية لمصر المحروسة، باعتبار أن هذا هو بداية التقدم نحو الغرب والاستنارة على طريقة الغرب. لم يدرك هؤلاء أن الحملة الفرنسية على مصر هى بداية الاستعمار الغربى لبلادنا الذى يحاول تحطيم تراثنا وتحويلنا إلى مادة استعمالية يوظفها لصالحه. لقد تناسوا المقاومة النبيلة التى أبداها الشعب المصرى لهذا الاستعمار وتناسوا ثورة القاهرة الأولى والثانية التى اندلعت من الأزهر، كما تناسوا الأزهري سليمان الحلبى الذى اغتال كليبر قائد الحملة، وعلماء الأزهر الذين رفضوا التعاون مع الاستعمار. لقد أخرجوا الحملة الفرنسية من سياقها التاريخى والاجتماعى المصرى والفرنسى، وحين يفعل أي باحث أو مفكر ذلك يصبح بوسعه فرض أي معنى يشاء على الظاهرة التى يدرسها، ولذا حولوا الحملة الفرنسة إلى مؤشر على التقدم وحولوا المقاومة (بالتالي) إلى مظهر من مظاهر التخلف. (وهذا لا يختلف كثيراً عما يفعله الغرب الآن مع المقاومة حين يسمى المقاومة الفلسطينية "إرهاباً"، ويصنف حزب الله وحماس والجهاد على أنها "منظمات إرهابية"، ولا حول ولا قوة إلا بالله).

وأعتقد أن أصحاب هذا الخطاب قد فعلوا شيئاً من هذا القبيل، حين جعلوا من الحجاب رمزاً للتخلف. فقد نزعوه من سياقه الاجتماعي والتاريخى والإنسانى، واستقوا مؤشرات التقدم والتخلف من النموذج الغربى. وهنا يمكننى أن أسأل هؤلاء: ماهى مؤشرات التقدم بالنسبة لهم؟ السؤال هنا خطابى، فالمؤشرات هنا واضحة وهو أن خلع الحجاب علامة على التقدم والاستنارة، أما ارتداء الحجاب فهو علامة على التخلف والردة والظلمة..إلخ. ولكن هل المسألة بهذه البساطة والسذاجة؟ فلنأخذ على سبيل المثال لا الحصر فتاة متبرجة متحررة ومستنيرة لا ترتدي الحجاب، ترتاد نادي الجزيرة أو أي نادى آخر، وتلعب التنيس بالشورت، وتلبس المايوه، وترتاد قاعات الديسكو، وتجيد التحدث بلغة أعجمية أو لغة عربية معظم مفرادتها إنجليش أو فرنش، تماماً مثل مذيعات قناة LBC (التى يطلق عليها بعض المصريين قناة "إلبسى" إشارة إلى المذيعات الجميلات اللبنانيات والتى تحاول بعض مذيعاتنا اللحاق بهن وبركب التقدم). مثل هذه الفتاة التى تتمتع بمستويات استهلاكية عالية ولا تعرف شيئاً عن مصر الحقيقية، مصر الفقراء والكادحين والمتعبين، ولا تشترك بطبيعة الحال في أي حركة سياسية، هي أكثر تقدماً من فتاة محجبة تعيش فى مصر الحقيقية بين أهلها وتعرف همومهم، ولا تتمتع بمعدلات الاستهلاك الشيطانية التى أمسكت بتلابيب المجتمع المصري والتي ستقضي على كل محاولات التنمية؟ وغالبية المحجبات يشاركن فى العمل العام، السياسي والمدني. ألم يلاحظ المتحدثون عن الحجاب باعتباره علامة التخلف الوجود الملحوظ للمحجبات فى المظاهرات؟ ألم يشاهدوا الصورة التاريخية لبعض المحجبات وهن يصعدن على السلم الخشبي للوصول إلى لجنة الانتخابات وصندوق الاقتراع، بعد أن تصدى لهن رجال الأمن الحكومي؟ ألم يسمعوا عن تلك المحجبات اللائي اضطررن لخلع الحجاب حتى يمكنهن الوصول لصندوق الاقتراع؟ حينما أذهب إلى دمنهور (المدينة التى نشأت فيها) أرى المجتمع المدني هناك فى غاية الحيوية والنشاط، وكثير من القائمين على بعض جمعياته (غير الرسمية وغير المعلنة) فتيات محجبات. أعرف إحدى هذه الجمعيات وتخصصها هو توفير أجهزة غسيل الكلى لمرض الفشل الكلوي. وتقوم تلك الفتيات المحجبات بجمع الأموال من القادرين، بل ومن بعض الأقارب المقيمين فى الولايات المتحدة لتمويل مشروعهم الخيري. بالله عليكم، من هو أكثر تقدما، فتاة نادي الجزيرة المتحررة وأمثالها أم هؤلاء المحجبات؟

يجب أن يُنظر إلى الحجاب فى سياق اجتماعي وتاريخي، وإذا كان الدينى يختلط بالسياسي بالاقتصادي بالاجتماعي بالتاريخي كما أسلفت، فيجب أن ننظر للحجاب بهذه الطريقة. فمن ناحية يرى الكثيرون أنه فرض ديني، ولكن يجب ألا ننسى أنه أصبح أيضاً عرفاً اجتماعياً. ويرى علماء الاجتماع أن كل مجتمع له dress code شفرة أو لغة الملابس الخاصة به، وهى لغة، شأن أي لغة، أمر اجتماعى، فالمجتمع هو الذى يحددها وليس الأفراد. وينضوى تحت هذا ما يُكشف وما لا يُكشف من جسد الرجل أو جسد المرأة، وما يُلبس وما لا يُلبس فى كل مناسبة. هل كانت إحدى الفتيات تتجرأ على لبس بلوزة تكشف عن بطنها منذ عامين فى الشرق أو الغرب، والآن هل يجرؤ أحد أن يعترض على هذا الزي؟! ولذا فإن شكوى البعض من أنهن يضطررن إلى ارتداء الحجاب بسبب الضغوط "الدينية" عليهن، قد يكن على حق، وإن كان عليهن أن يدركن أن هذه الضغوط قد تكون دينية فى الأصل، ولكنها تحولت إلى عرف اجتماعي ومن ثم أصبحت الضغوط اجتماعية. هل تجرؤ سيدة أن تذهب إلى مأتم مرتدية فستاناً أحمراً بهيجاً، أو أن تذهب إلى عرس ترتدى فستاناً أسوداً حزيناً؟

والحجاب إلى جانب كل هذا تعبير عن التمسك بالهوية (أعرف بعض الصديقات العلمانيات اللائى تحجبن تمسكا بالهوية، وهو ما حدث أيضاً فى إيران أثناء الثورة الإسلامية ضد شاه إيران)، وهو كذلك تعبير عن مقاومة الاستعمار الأجنبى. وهناك كذلك الجانب الاقتصادي، فالحجاب دون شك تعبير عن رفض النموذج الاستهلاكى (نموذج الموضات وضرورة تبني الجديد ونبذ القديم، بناء على أوامر القرد الأعظم فى باريس أو لندن أو إيطاليا). حينما عدنا أنا وزوجتي من الولايات المتحدة عام 1979، كان الانفتاح قد اكتسح مصر المحروسة، وكان راتبنا الشهرى لا يتجاوز 180 جنيه مصرى. وحين ذهبت زوجتى لشراء حقيبة وحذاء، وجدت أن مجموع ثمنهما هو 150 جنيه بالتمام والكمال (هذا أيام الرخص)، فعادت وقالت إن الفتيات فى مصر أمامهمن حل واحد من حَلَين لا ثالث لهما لمواجهة هذا التضخم: إما الحل التايلاندي (أى أن يبعن أنفسهن كما حدث في تايلاند) أو الحل الإسلامى، أي ارتداء الحجاب، وتنبأت بأن الأرجح هو انتشار الحجاب. وهي بذلك اكتشفت البعد الاقتصادي فى ظاهرة الحجاب، ولكنها لم تردها إليه، فهو بعد واحد ضمن أبعاد أخرى، لأنه لو كان البعد الاقتصادي هو البعد الوحيد الحاكم، فإن الحل التايلاندي أضمن وعائده أسرع. ولكنهن اخترن الحل الإسلامي لأن الاسلام هو الإطار المرجعي لجماهير هذا المجتمع (هو عقيدة بالنسبة للمسلمين وحضارة بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين) وهو الذي حماها من الاختراق الاستعماري والاستهلاكي.

إن اختزال الحجاب فى البعد الدينى، ثم عزل البعد الدينى عن الابعاد الاجتماعية والانسانية الأخرى، فيه دليل على القصور التحليلى لمن حولوه إلى مؤشر على التخلف. حينما كنت صبيا فى دمنهور، ذهبت فى رحلة مدرسية إلى القاهرة، وبهرت بلافتات النيون، فقررت أن أجعل من عدد لافتات النيون مؤشرا على التقدم. وكنت أقوم بإحصائها فى دمنهور كل شهر، لأننى تصورت أنه كلما ازداد عدد لافتات النيون فيها، كلما ازدادت تقدماً واقتراباً من نموذج القاهرة المضيئة، (أى أوروبا). ولكننى نضجت واكتشفت اختزالية مؤشري الصبياني المضحك. جاء فى العهد الجديد (رسالة بولص الأولى للكورنثيين) ما معناه "حينما كنت طفلا، كنت أتحدث كالأطفال وأفكر كالأطفال، ولكنني بعد أن أصبحت رجلاً، تركت خلف ظهري الأشياء الطفولية". فلماذا بالله يا إخوتي لا ننضج وننفض عن أنفسنا المؤشرات الاختزالية، وننظر لواقعنا بعيون لا تغشيها غشاوات أجنبية تعمينا عن رؤية الحقيقة الثرية المركبة بكل أبعادها المادية وغير المادية المتداخلة
aziza10
aziza10
ღ عضو محترف ღ
ღ عضو محترف ღ

الْعُمْر الْعُمْر : 33
 الجنس : انثى
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 427
بلدي بلدي : الجزائر
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 16743
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. الحجاب بين الدين والمجتمع 111010

http://www.veecos.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحجاب بين الدين والمجتمع Empty رد: الحجاب بين الدين والمجتمع

مُساهمة من طرف سليمان متعب الأحد فبراير 21, 2010 5:06 pm

بيض الله وجهك

وماتقصر

وشكرا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عالموضوع المميز الف شكر لكـ‘

.. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
سليمان متعب
سليمان متعب
ღ عضو نشيط ღ
ღ عضو نشيط ღ

الْعُمْر الْعُمْر : 31
 الجنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 71
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 16254
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. الحجاب بين الدين والمجتمع 111010

http://hyatna.ibda3.org

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحجاب بين الدين والمجتمع Empty رد: الحجاب بين الدين والمجتمع

مُساهمة من طرف aziza10 الإثنين فبراير 22, 2010 5:48 am

جزاك الله خيرا على المرور
aziza10
aziza10
ღ عضو محترف ღ
ღ عضو محترف ღ

الْعُمْر الْعُمْر : 33
 الجنس : انثى
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 427
بلدي بلدي : الجزائر
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 16743
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. الحجاب بين الدين والمجتمع 111010

http://www.veecos.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحجاب بين الدين والمجتمع Empty رد: الحجاب بين الدين والمجتمع

مُساهمة من طرف Design-sasuke الأربعاء أبريل 06, 2011 5:23 am

مششكور
Design-sasuke
Design-sasuke
ღ عضو ღ v I p
ღ عضو ღ v I p

الْعُمْر الْعُمْر : 32
 الجنس : ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 8432
بلدي بلدي : سوريا
الْنِّقَاط الْنِّقَاط : 29435
السٌّمعَة السٌّمعَة : 0
. الحجاب بين الدين والمجتمع 111010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى